إذا افترضنا أن وزير الإعلام المستقيل المهندس عبدالله علي مسار لم يتقدم باستقالته إلى رئيس الجمهورية عبر مدير مكتب الأخير الفريق طه عثمان بعد أن أوقف الرئيس البشير عملية التحقيق والإجراءات الإدارية التي كان قد وجه بها وزير الإعلام المستقيل في مواجهة مدير وكالة الأنباء السودانية «سونا» الأستاذ عوض جادين على خلفية الاتهام بتجاوزات داخل هذه الوكالة الإخبارية التابعة لوزارة الإعلام، إذا افترضنا أن مسار لم يستقل واستمر في منصبه الدستوري الرفيع المتميِّز عن بقية المناصب الوزارية الأخرى بأن من يُسند إليه يكون هو المتحدث الرسمي باسم الحكومة، ترى كيف سيكون تعامله بعد ذلك كوزير مع مؤسسة تابعة لوزارته هي طبعاً وكالة السودان للأنباء «سونا» ؟! ترى هل سيكتفي فقط بالتقارير «النظيفة» التي ترفع منها إليه؟!.. وهل سيصدر السيد الوزير التوجيهات إلى كل المؤسسات التابعة لوزارته ما عدا وكالة سونا؟! أي هل ستكون مثل جنوب السودان في الفترة الانتقالية التي سبقت انفصاله حيث لم يكن لرئيس الجمهورية الحق في أن يصدر الأوامر بشأن ذاك الإقليم حينها؟! إنه إذن نهج نيفاشي.. وإذا رفعت إلى الوزير شكوى من إدارة وكالة سونا في أية قضية هل سيقول إنه ينظر إلى هذه الوكالة باعتبارها نعامة ملك؟! لا بد أن الوزير مسار إذا لم يستقل سيصاب بعقدة دستورية في نفسه. وكان المطلوب من رئاسة الجمهورية إذا كانت حريصة على استمرار مسار في المنصب أن تعالج الأمر بقرار ذي صيغة توفيقية، ولا داعي أن تعطي الشعب انطباعاً بأنها تنصر المتهمين بالمخالفات والتجاوزات الإدارية على كبار المسؤولين في الدولة حينما يتحركون بصلاحياتهم تجاه محاسبة الموظفين في مؤسسات الدولة إذا ثبتت إدانتهم بالفعل. وليس من صالح سمعة الحكومة وقف إجراءات تحقيق بدأت أصلاً، وإذا كانت الحكومة لا تخشى شيئاً فهذا لا ينبغي أن يغنيها عن أن تحافظ على حسن السمعة خاصة بعد أن أطلقت آلية لمكافحة الفساد بكل أنواعه وأشكاله يرأسها وكيل وزارة المالية الأسبق الطيب أبو قناية. وحتى آلية «أبو قناية» من حقها أن تضع يدها على ملف المشكلة المتفجرة في وكالة سونا. ويمكن أن تكون البراءة مستحقة لعوض جادين مدير الوكالة لكن هذا الاستحقاق لا يقتنع به الناس إلا بعد أن تفرغ لجان التحقيق من عملها وتقول ببراءة جادين، لكن أساليب حكومة حسني مبارك البائدة التي جلبت ضده الربيع العربي لا داعي لها. «إن الله على كل شيء قدير». كان السيد الطيب أبوقناية رئيس آلية مكافحة الفساد قد ذكر أن صلاحيات عمل الآلية لا تقف في حدود الفساد ضد المال العام بل تمتد إلى أشكال الفساد الأخرى داخل المؤسسات الحكومية، ولذلك كان الأفضل أن يوجه وزير الإعلام المستقيل مسار بتحريك إجراءات التحقيق عبر آلية «أبو قناية»، وإن كان من صلاحياته أن يقوم بما قام به. ويوحي القرار الوزاري رقم «157» القاضي بوقف التحقيق والإجراءات الإدارية التي وجّه بها مسار مع جادين يوحي بأن صاحب المنصب الرفيع ليس بالضرورة أن يتمتع بكامل الصلاحيات، وكأن المنصب مجاملة وليس تكليفاً. فهل يا ترى جاء اختيار مسار لهذا المنصب الوزاري من باب المجاملة وليس التكليف؟! وإذا كان مسار بالفعل يستحق المجاملة لأنه مع خط الدولة ضد التآمر الخارجي المرتبطة به بعض العناصر المعارضة بالداخل إلا أنه في نفس الوقت جدير بالتكليف وبالتمتع بكامل الصلاحيات إذ أنه صاحب إدراك سياسي كبير، وليس كالذين لا يفرقون بين شمال كردفان وجنوب كردفان وبين النيل الأزرق والنيل الأبيض. ربما يكون مسار قد استعجل بعض الشيء، لكن أيضاً كان القرار «157» مستعجلاً، ويكفي أنه حمل الوزير مسار على أن يتقدم باستقالته في مناخ استنفار الشعب ضد المعتدين والعملاء والمرتزقة على حدود عام 1956م بين السودان والجزء المُسرطن المقطوع منه.. ثم إن القرار «157» من شأنه أن يصور آلية مكافحة الفساد على أنها نمر من ورق. ونتوقع كلمات من «أبوقناية».