لماذا نحتفل في اتحاد الصحفيين برائدات المرأة السودانية في مجال الصحافة؟ الإجابة عن هذا السؤال لها صلة وطيدة بالحريات الصحفية.. ذلك إذا كان الرجل قد بدأ ممارسة الصحافة وعرفها بداية القرن الماضي عندما ظهرت أول صحيفة في بلادنا عام 1913م وصارت للسودانيين صحيفة سودانية الملكية والتحرير والقراء عام 1919 هي حضارة السودان، ومعلوم أن حسين الخليفة شريف كان أول محرر وأول رئيس تحرير لها.. فإن القلم النسائي السوداني ظهر بعد مؤتمر الخريجين.. والعالم العربي كله كانت المرأة فيه حبيسة الجدران قصيرة الحركة، مغلولة اليد.. في مثل تلك الظروف برزت المرأة في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي ليس كمجرد قلم أو كاتبة من خلف الجدران وإنما كمحرر عام ورئيس تحرير وناشر من خلال صدور مجلة« بنت الوادي» التي أصدرتها تكوى سركسيان.. كأول بذرة للصحافة النسائية وأول مبادرة لنماذج أخرى لمثل تلك الصحافة التي ظهرت قبيل الاستقلال وأسهمت في الحركة الوطنية وتعليم المرأة والتعبير عن صوتها ورأيها ومعالجة القضايا الوطنية.. إن مجرد التفاتة نحو هذه القضية تعني أن هناك من يتذكر الآخرين الذين أسهموا بأي صورة وبأي دور في مسيرة الصحافة السودانية، وفي مسيرة عملية التنوير المعرفي، فالصحافة واحدة من عناصر البناء الوطني.. وهي تصنع الرأي العام وتعلِّم الأجيال وتسجل التاريخ وتصور للأجيال الجديدة والقادمة صورة الوطن والظروف والأحوال والمواقف التي لا بد لمن يريد أن يمضي بالمسيرة من الوقوف عليها وتدبرها والتعلم منها.. هناك أناس عملوا بالصحافة تحت أسوأ الظروف العملية، ظروف لو وضعت الآن أمام هذه الأجيال لوقفوا حائرين أمام الحياة المتخلفة.. ضعف وسائل الاتصال.. انعدام التدفق الإخباري.. المؤسسات الصحفية بصورتها الراهنة والتي لا نقبل بمعظمها الآن ونطالب بتحسين بيئة العمل فيها وشروط الخدمة، تقنيات إعداد وطباعة الصحيفة.. بدائية الوسائل والكثير من الظروف التي كانت تحيط بالعمل الصحفي من جميع الجوانب.. ولذا كانوا يقولون عليها تارة مهنة البحث عن المتاعب وتارة أخرى مهنة من لا مهنة له وغير ذلك من النعوت والأوصاف. هؤلاء الرائدات عملن بالصحافة وإن كانت في معظمها مجلات تصدر في أوقات متباعدة نسبياً.. ولكن الآليات والأساليب وبيئة العمل والقوانين بل وحتى بيئة المجتمع ونظرته للمرأة وحقها في العمل.. وهو ما دفعنا للالتفات إليهن مع صحافة العالم لليوم العالمي لحرية الصحافة.. وكان لابد من وقفة ولا بد من التفاتة.. ولا بد من إعادة لقراءة هذه الشريحة من المجتمع الصحفي التي باتت اليوم تشكل أعداداً كبيرة من الصحفيات من مختلف ضروب العمل الصحفي والإعلامي، وكان عليهن أيضاً أن ينظرن إلى الرائدات اللاتي اقتحمن مهنة المتاعب هذه في ظروف صعبت بكل الجوانب وأرسين قواعد الممارسة وشققن الطريق أمام الأجيال الجديدة المتزايدة في هذا الميدان المهم وفي ظل ظروف أفضل رغم المصاعب «بمعايير اليوم» وهنَّ اليوم يشكلن ثقلاً لا يستهان به في حقل الصحافة بكل تقنياتها وفنونها وضروبها.. وهن اليوم أفضل بكثير من غيرهن في بلاد أخرى بفضل التعليم وانتشاره وبفضل كليات وأقسام الإعلام والصحافة بكل تخصصاتها.. ولذا كان لا بد من وقفة.. ولا بد من تذكر وتذكير فإن الذكرى تنفع المؤمنين.. والتحية لرائدات الصحافة السودانية.