يوم رائع كان يوم السبت حيث قضينا نهاره في معية نفر من كرام المواطنين في أكاديمية تكنولوجيا الصحافة والطباعة للدكتورة بخيتة أمين في تدشين كتابها الخامس من سلسلة مؤلفاتها «الصحافة النسائية في السودان»، وهو كتاب بغلاف اسود انيق عليه لون أخضر زاهٍ وصورة المؤلفة.. وكتاب الصحافة النسائية هو كما ذكرت المؤلف الرابع للدكتورة بخيتة أمين بعد كتاب نجوم تحت الشمس، وحروف من قرص الشمس، الطيب صالح ورابع بالاشتراك مع الأستاذة الرضية آدم، وقد جاء الكتاب كأول محاولة لرصد مسار الصحافة النسائية في السودان ابتداء بالرائدة تكوى سركسيان ومرورًا بحاجة كاشف وزينب الفاتح وفاطمة أحمد إبراهيم وسعاد الفاتح والعديد من رائدات الصحافة النسائية منذ الأربعينيات في القرن الماضي. وتناولت الدكتورة بخيتة في كتابها الجديد سرداً غير ممل لمسيرة الصحافة النسوية كما قلت برغم أنها لم تشمل كل الأعمال والأقلام بالدقة اللازمة ولكنها اجتهدت وجمعت ورصدت وحللت بصورة جيدة ابرز صور الصحافة النسائية كصحافة نوع لإبراز دور المرأة السودانية في التنوير الثقافي والإعلامي جيلاً إثر جيل في فواصل مرتبة وعلامات مميزة.. فكانت آمال سراج وآمال مينا، آمال عباس ، عفاف بخاري، فايزة شوكت، حنان انتفاضة، امل شوكت والعديد ممن تعجز الذاكرة عن استحضارهن من كاتبات ومحررات ورئيسات تحرير. الكتاب بداية جيدة للتأريخ لصحافة المرأة أو الصحافة النسائية في السودان ودليل جيد للباحثين والباحثات في هذا المجال من طلاب الماجستير والدكتوراه حيث توجد المعلومات حول هذا الأمر بصورة غير مرتبة وغير متوفرة.. وهو جهد مقدر نعرفه نحن كباحثين وأكاديميين، وقد لا يدرك ابعاد مثل هذا الأمر بعضنا ممن يمكن أن يسخر من عنوان الكتاب، فالمرأة الصحفية والإعلامية والكاتبة في السودان بدأت في خوض معركة التقدم والتعليم والعمل قبل الكثير من البلدان الغربية والعربية وهي مشاركة للرجل في خوض غمار السياسة والخروج للعمل دون المساس بثوابت المجتمع السوداني من عادات وتقاليد مثل الحشمة والمحافظة فكانت نموذجاً حياً للمرأة في العالم الثالث، بل إنها سبقت الغربيين في نيل الكثير من حقوقها السياسية والطبيعية وتمكنت من اقناع المشرعين والقياديين بحقوقها في الأجور، والحقوق الأخرى مثل حق الأمومة وإجازة رعاية أطفالها ومرافقة الزوج «كما يحق للرجال مرافقة زوجاتهم المنتدبات للعمل بالخارج»، وتبوؤ المناصب القيادية في مختلف التخصصات التي ما زالت في العديد من البلدان حتى الغربية أمراً عسيراً، فهي وزيرة وسفيرة وقاضية وضابطة وإدارية ولا بد هنا أن نذكر تفوق الطالبات في امتحانات الشهادة السودانية على الكثير من الطلاب وهي حقائق واضحة بالأرقام ولا تحتاج إلى استدلالات ووفق ذلك لابد لها أن تتفوق كذلك في مجالات الإعلام والصحافة وهو حقل مسكون بالألغام والمصاعب والمشكلات وخاضتها المرأة السودانية باقتدار. إذاً ليس غريباً أن نستقبل هذا المولود الأنيق الذي اصدرته الدكتورة بخيتة أمين وهي واحدة من الصحفيات السودانيات المثابرات في مجال الصحافة والمهمومات بتطوير هذا الحقل ورفدها بقدرات مهنية وأكاديمية من أكاديميتها لتكنولوجيا الصحافة والطباعة، وهذا نوع جديد من الدراسات حيث إن بلادنا لم تشهد أي نوع من الدراسات في مجالات الطباعة الصحفية فقط أدخلتها جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية في برامجها الدراسية عندما اسست كلية الدعوة والإعلام وكان هناك استاذ واحد متخصص في مجال الدراسات هذه وبوفاته الغيت المادة ولم تعد تدرس في بلاد بها عشرات الصحف ومئات المطابع الكبيرة والصغيرة وفي وقت دخلت فيه تكنولوجيا الطباعة آفاقًا جديدة اصبح معها ضرورة أن تكون هناك مؤسسة أكاديمية تعنى بمثل هذا النوع من التخصصات والدراسات حتى يمكننا مواكبة ما يجري من تقدم تقني في العالم من حولنا.. قصدت بهذا أن ألفت النظر إلى هذا المؤلف الجديد الذي أتمنى أن تصدر المزيد من الدراسات المتخصصة في هذه المجالات التي تعزز الحقائق القائلة بأن حقوق المرأة السودانية مصانة ومحفوظة والمرأة مكرمة معززة والتاريخ يحفظ بين دفتيه حقوق السابقات بفكرهن واقلامهن في نهضة السودان وأسهامهم في تطور الصحافة في بلادنا.. ولا بد للحق أن ينجلي...