أنغام الحنين ينطلق من قلب زوجته سارة يأتيه عبر الهاتف من الوطن ليخفف عنه لهيب الغربة.. ليصحو عند الفجر حيث يبدأ عملاً جديدًَا، تنهّد بعمقٍ يستنشق نسيم الصباح عله يطفئ حرقة البعاد.. احتنضنت سارة ابنتها الصغيرة لجين في سعادة يشوبها بعض الحزن فهي لم ترَ والدها قط فهو لم يحضر للسودان منذ عامين وسارة تعيش مع والدته وإخواته بسلام.. واليوم عاد أخوه عادل من أوربا بعد عدة أعوام قضاها في الدراسة وعاد خائبًا لا يحمل أية شهادات وبشعر طويل مجدول وملابس عجيبة.. عاد مسخاً بلا هوية.. كره سارة وكرهته منذ النظرة الأولى.. وظل عاطلاً لعدة شهور.. سألته والدته: ألم تتعلّم أي شيء في غربتك يا عادل؟ تعلّمت الكثير يا أمي.. إنها أوربا! إذن لماذا لا تعمل؟ أريد أن أعثر على طرف الخيط.. للبداية.. ولم يعثر عليه لعدة شهور أخرى.. يدخِّن بشراهة ويأخذ نقودًا من أمه مما يرسله عاصم.. وذات يوم فاجأته سارة في غرفتها وهو يسرق نقودًا من حقيبتها.. نادته: ماذا تفعل يا عادل؟ دار حول نفسه من هول المفاجأة فقد كانت في زيارة أهلها ما الذي أعادها بهذه السرعة؟ نظر إليها محدقاً بخوفٍ أولاً ثم تحولت نظرته إلى الوقاحة: اسمعي يا سارة هذه نقود أخي.. وسآخذها.. وإن أخبرت أحدًا ستندمين.. طوال حياتك.. خرج مسرعاً وسط غضب وذهول سارة.. سقط الهاتف من يد عصام المرتعشة.. يا لهول ما سمع.. امرأته تخونه؟ وإن لجين ليست ابنته؟ هل جن عادل؟ أم ترى هو من خدع؟ مع من تخونه؟ خشي عادل أن تخبر سارة زوجها بما فعله فأسرع يبادر بالضربة القاضية لها.. وبعد أسبوع مرير استطاع عصام العودة إلى الوطن ليلاً.. وحده عادل كان يعلم بعودته.. دخل عصام إلى منزله وبكى على كتف والدته وهو يسألها عن سلوك سارة فاستغربت سؤاله وأكّدت له أنها فوق كل الشبهات.. فلم تبرد نار الشك في قلبه.. لا بد أن يرى الصغيرة لجين.. ظل مستيقظًا ولم يذهب إلى منزله الملحق مع منزل أسرته لتحية زوجته.. وفي الصباح جاءت طفلة جميلة ضاحكة على وجهها آثار النوم وتعلقت بعنق جدتها في محبة طاغية فضمتها بحنان فائق.. وتحفز عصام في مكانه وهو يحدق فيها: هذا أبوك يا لجين.. اقترب عصام كالمنوم وانحنى يحدّق في وجهها رفعت إليه عينين رائعتين خضراوين هما عينا أمه الفريدتين.. فتح ذراعيه يضمها إلى قلبه الذي غمرته السكينة.. فهي جزء منه..