ما كنت أظن أن يأتي يوم يراجع فيه أمثالنا الشيخ الترابي ولكن «البلد المحن لا بد يلولي صغارن».. يوم كان الترابي في قمة شياخته يقول حواره الشيخ السنوسي إن الترابي عندما يقول مقولته أو يحدث أمراً ننتظر عشرة أعوام حتى نفهم مراده ومقصده!! وفعلاً جلسنا وجلس أتباعه اليوم عشر سنوات وهو على سدة الحكم الآمر والناهي حتى جاءت المفاصلة ولم نفهم شيئاً حتى قال لنا إنها كانت كلها أخطاء بل الانقلاب نفسه كان خطأ كبيراً!! وما زال السنوسي ود. عبد الله حسن أحمد ينتظرون نتيجة العشرة الأخيرة نحن لا ندّعي العلم ولا نفقه كثيراً من الدين ولكننا اليوم نستطيع أن نجادل الشيخ الترابي بكل أريحية مادين أرجلنا أبعد مما فعل أبو حنيفة النعمان والقصة في أن الإمام أبو حنيفة قد جاء مجلسه أحد مدعي العلم وسأله متى يفطر الصائم؟ فأجابه أبو حنيفة وهو في جلسته: يفطر عند مغيب الشمس.. فقال له المتفيقه: وإذا لم تغب الشمس؟! فرد أبو حنيفة الآن حق لابن النعمان أن يمد رجليه!!. ونحن الآن مثله نسأل بعد أن مددنا أرجلنا من أي منصة أو منبر عدم تشيعه فنحن أهل السودان سنيون ولا يجمعنا مع أهل الشيعة إلا الإسلام ولكن الترابي كنا نعده منا وجعلناه زعيماً لنا وشيخناه علينا ليس إلا لأنه يؤمن بالله ويؤمن برسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ويتبعه كما قال سبحانه وتعالى «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول..» فكيف يأتي الشيخ الترابي ليقول إنه لا يعترف بالسنة وأنه قرآني فقط؟! ولا يعتقد في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم خاصة حديث الردة وشارب الخمر ويستنكر حتى الصلاة عليه؟!.. فالترابي ينكر الحديث الصحيح «من بدل دينه فاقتلوه» بل ويتهكم قائلاً «لو أن المسيحي بدل دينه فهل يقتل.. ما هذا الغباء!» مع أن ذلك استدلال باطل وغبي لأن هذه مقارنة لا تستقيم فراعي الضأن في الخلاء يعلم أن الرسول الكريم عندما قال ذلك الحديث كان الله قد حسم أمر الدين حيث قال «إن الدين عند الله الإسلام ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين» فالدين المقصود تبديله هو الإسلام وليس غيره فلو أن المسيحي ترك النصرانية وأسلم فهذا يؤجر ولا يقتل ولو أنه تركه لغيره فله دينه ولنا دين.. وهناك أحاديث أخرى حدد فيها الدين الإسلامي بعينه ولكن الشيخ الترابي يأبى إلا أن يلبس على الناس فهو يهرب دائماً من الأسئلة الصعبة إلى التهويم والتحليق بعيداً عن الموضوع بالقول المتنطع والحديث الانصرافي ولكن الله لا يصلح عمل المفسدين.. أما قوله إن شارب الخمر ليس له عقوبة في القرآن فليقل لنا الشيخ من الذي وضع القانون الجنائي لعام 1991م؟ الشيخ الترابي وحده الذي وضع هذا القانون الذي يسري حتى يومنا هذا وجعل فيه للشارب أربعين جلدة تماماً كما فعل رسولنا الكريم وجاء من بعده الخلفاء ورفعها بعضهم إلى الثمانين.. وجاءنا الآن بعد عشرين عاماً وليست عشرة ليقول بعكس ما فعل فهل هو أيضاً لا يفهم مقولته إلا بعد العشرين؟!! ويقول ذلك وكأنه جاء بالعجاب فأي جاهل يعلم أن ما سكت عنه القرآن يفصله رسوله الكريم ولكن الشيخ يصر أن يعمل دائماً بفقه خالف تذكر بعد أن أحس بخفوت نجمه وضياع أحلامه في أن يكون الأول على الدوام.. حتى عندما قال للرئيس اذهب إلى القصر رئيساً نظر خلفه وقال كيف ذلك وتتبع الرئيس البشير في كل زياراته الخارجية ويدفعه ليقول موقفاً ما وقبل أن تحط طائرة الرئيس يكون هو قد سبقه إلى القنوات الفضائية ليقول قولاً غيره ويلغيه ليظهر للعالم أنه هو الذي يسير أمر الدولة وليس البشير وأنه هو الأول وصاحب الأمر!! هذه عقدة نقص يعيشها هو وحده حتى اليوم كان يستدعي السيد الرئيس عند الظهر ليقول له عين فلاناً محافظاً في نشرة الثالثة ويفعل.. ثم يعود ليناديه عند المغرب ليقول له أعفي صاحبك وعين بدله فلاناً في أخبار التاسعة لنفس اليوم!! هكذا إمعاناً في الذل واستخافاً بشخص الرئيس.. ولكن «إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون» ولذلك ولأسباب أخرى كانت قرارات الرابع من رمضان التي كانت قد مهدت لها وبنفس الشواهد مذكرة العشرة الشهيرة.. فالترابي ظل يحرص على هذه الأولية حتى ولو كانت على رقاب الناس الشيء الذي أحبطه ونزل به إلى هذا الدرك السحيق من الهوان.. فقد كان في السابق يأمر وينهى كبار قيادات الحركة الإسلامية وصار اليوم يتحدث إلى الإمعات من طلبة المدارس وكمال عمر ولا يسمعون له فمن يهن يسهل الهوان عليه. ويقول الترابي أيضاً ويخالف إنه لا صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا ندري هل يريدنا الشيخ أن نصدقه هو ونكذب قوله تعالى «إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما» ونحن لا ندري أيضاً لماذا يسكت علماؤنا ويتركونا هملاً للترابي ليقلب مفاهيمنا التي قمنا عليها؟! مع علمنا بأن الاجتهاد قائم إلى يوم القيامة ولكن ليس على ما قاله الله ورسوله الكريم فما ثبته الله في تنزيله وأقره رسولنا الكريم وحدثنا به لا مراجعة فيه وحتى الاجتهاد ليس مطلقاً لكل الناس وعامتهم كما يقول الشيخ وإنما لأهل العلم ولأهل الذكر وقال تعالى «فلولا تفرق كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم». هذا قليل مما جاء عنه في أمر الدين أما في السياسة فعجب حديثه عن قضية انفصال الجنوب فيقول إنه لو كان في سدة الحكم لما انفصل الجنوب!! ويفتخر بأن الذي أخرجه من السجن هو صاحبه في اتفاق مذكرة التفاهم الهالك جون قرنق ومعه أيضاً اولبرايت والخارجية الأمريكية!! أمية بن كعب أحد المخلفين الثلاثة عندما جاءه المقوقس وقال له علمنا أن صاحبك قد جفاك فتعال إلينا ... غضب غضباً شديداً وسأل الله أن يفك محنته حتى أتاه الفرج من السماء.. ولكن شيخنا يعتز ويفتخر برؤس الكفر الذين أعانوه على برنامجه وبرنامجهم لإسقاط حكومته الإسلامية التي لم يحافظ عليها مثل الرجال.. وحديثه إن كان موجوداً لما انفصل الجنوب فذلك مثل حديثه عن مشكلة دارفور والتي قال إنه يستطيع أن يحلها في خمس دقائق!! فالترابي كان في السلطة منذ عهد النميري والحكومة الديمقراطية الثالثة والإنقاذ حتى العشرة الأوائل منها ولم يفعل شيئاً بل كان يقاتل الجنوب ويعبئ له المجاهدين وفاوض في كل تقارير المصير ولم يحل المشكلة ولم يحقق الوحدة.. فكيف له الآن وهو هزيل ضعيف لا يملك سلاحاً كما قال.. فهل نسي الشيخ الترابي مقولته الشهيرة «انفصال في سلام خير من وحدة في حرب»؟ ونسي أنه القائل إن أهل الجنوب يقاتلون من أجل الحرية وإنهم مثل استعمار جنوب إفريقيا وأن لا جهاد في قتالهم ولا استشهاد!! فلماذا إذاً يبكي على انفصالهم وتحررهم اليوم؟! ونأتي أخيراً لحديثه الذي لم يكن له أي داع سوى حب الظهور وأنه ما زال حيًا يفرفر.. فحديثه عن إجازة أهل السودان في الجمعة والمسلمين عامة ماله في الشريعة من شيء وإن اتخاذ الجمعة مخالفة للنصارى واليهود تخاريف وأنها ليست من الإسلام.. نقول للشيخ إننا لم نتخذ يوم الجمعة عطلة وراحة لنا لذلك وإنما لأنه يوم مبارك فيه صلاة الجمعة التي يحبط في ساعتها أي عمل غير الصلاة بأمره تعالى.. «إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فذروا البيع واسعوا إلى ذكر الله..» وفيها ساعة لا يوافيها عبد قائم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه» وفيها خلق آدم وفيها أدخل الجنة وفيها قيام الساعة.. وغير كل ذلك ما دام اختار النصارى الأحد يوماً لتعبدهم وصلاتهم فنحن أولى باتخاذ الجمعة يوماً لتعبدنا وصلاتنا التي ليست كباقي الأيام فصلاة الجمعة غير ترك العمل والبيع فيها فهي لها في الوقت حيز كبير لأنها تحتاج أولاً لوجوب الغسل لها وهذا يحتاج لوقت والحضور لها ففضل التبكير فمن حضرها في الساعة الأولى كمن قرب بدنة وفي الساعة الثانية والثالثة إلى كمن قرب دجاجة وبيضة حتى إذا صعد الإمام المنبر خرجت الملائكة.. وهذا كله إن لم يكن بساعة الزمن فهو وقت مقدر من اليوم الأفضل للمتعبد المسلم ولصاحب العمل.. ثم وفوق ذلك كله فالمسلمون لا يعملون جميعهم في دواوين الحكومة والشركات فالغالبية العظمى لها أعمالها الخاصة ولا تتقيد بعطلة في الجمعة بل حتى الأسواق والتجارة سميت بأسواق الجمعة واحتجاجك على أنها تقفل أبوابها من الساعة الحادية عشرة فما يضير الشيخ في ذلك؟ ولأن الناس أنفسهم الذين يشترون ويبيعون يكونون في تحضيراتهم لصلاة الجمعة وأنا لا أدري في أي ساعة يذهب الشيخ لصلاة الجمعة!! وعليه أخشى أن يبعث ويقال له: بل تعلمت العلم وعلمته ليقال إنك عالم وقد قيل.. فاليوم الناس تجهد في أن يكون الدين قائماً والشيخ يرزح في الفتن وعند صغائر الأمور وتوافهها.. اللهم أهدنا وإياه.