في منتصف نهار السبت في مثل هذا اليوم من العام «2008م» فشلت العدل والمساواة في احتلال مدينة أم درمان، ورغم أن العملية التي استهدفت المدينة كانت بقيادة رئيس الحركة الراحل خليل إبراهيم وتحت إشرافه إلا أنها فشلت في ظرف ساعات عندما أطبقت عليها القوات المسلحة والأجهزة النظامية الأخرى الخناق في شوارع أم درمان وكبّدتها خسائر كبيرة في الأرواح والآليات.. كيفية فشل العملية التي أطلق عليها الذراع الطويل كشفها في اعترافاته مسؤول الأمن والمخابرات في الحركة وقتها الشقيق الأصغر لخليل عبد العزيز عُشر الذي أُلقي القبض عليه في شرق السودان محاولاً الهرب بعد تدمير الحركة، ومن خلال اعترافات الرجل فشل العملية كان واضحًا منذ البداية حين فكر خليل في نقل الحرب من دارفور إلى الخرطوم. فكرة غزو العاصمة تخمَّرت في مخيلة خليل بعد نجاح حركته في مساعدة الرئيس التشادي إدريس دبي في دحر المعارضة التشادية في إنجمينا قبل ذلك بقليل وحاصرت قصره ومساهمة الحركة في إفشال المخطط وإنقاذ دبي، ومن هنا بدا خليل مزهوًا بقوة حركته وما استولت عليه من عتاد في إنجمينا.. وفي اجتماع دعا له رئيس الحركة في منطقة جبل عيسى تحدث فيه عن تطور الحركة بعد أحداث إنجمينا وما وصلت إليه من قوة عسكرية ضاربة طارحًا فكرة الذهاب للخرطوم مبررًا ذلك بأن الحرب طالت في دارفور ما يستوجب نقلها للخرطوم والعمل على تغيير النظام ونقل قضية دارفور إلى هناك بحجة أن ذلك يعجِّل بحلها. عُشر أشار في اعترافاته أيضًا لاعتراضه على فكرة الذهاب للخرطوم بحجة عدم القيام بأي عمل تمهيدي يهيئ المواطنين لهذه الفكرة ويسهل مهمة قوات الحركة في الخرطوم إلى جانب إمكانية ضرب خط الإمداد للحركة عسكرياً لبعد مؤخرة القوة وبعد المسافة فضلاً عن عدم معرفة جيش الحركة بالخرطوم وعدم ترتيب قوات الحركة على حرب المدن، واقترح بدلاً من ذلك تغيير خط السير من الخرطوم واستهداف مدينة الأبيض، وطلب عدم الاستعجال ولكن رئيس الحركة رأى أن القرار اُتُّخذ بالإجماع. والأهم من ذلك كانت قوات خليل تجهل كثيرًا من الأشياء أولها عدم معرفة الطرق والأماكن المستهدَفة حيث قامت الاستخبارات العسكرية للحركة بتوقيف عربتين «لوري» تخصان مواطنين عربًا من منطقة أبو ضلوع وأجبروهم على التحرك أمام القوة حتى طريق شريان الشمال وبعدها قاموا بإخلاء سبيلهم الأمر الذي يدل على عدم معرفتهم بالطريق.. واعتبر البعض أن اخلاء سبيل المواطنين نفسه عقب الوصول مباشرة كان خطأ استخباريًا وإن قلّ أثره، ولدى دخول القوة أم درمان كانوا يسألون كذلك عن الإذاعة وبعض الأماكن المستهدَفة الأمر الذي يشير كذلك لغياب المرشدين في الداخل. أخطاء كبيرة وبالجملة وقعت فيها الحركة بعد دخولها لأم درمان ففي منطقة المهندسين حسب عُشر تحركت قوة من الاستخبارات بالحركة «لاستطلاع» كبري أم درمان الجديد حيث وصلوا حتى منتصف الكبري وبعد عودتهم ذكروا أن الكبري سالك وليست هناك أية قوة عسكرية ورغم ذلك لم يتمكن المتحرك الثالث المكلَّف بعبور الكبري من تنفيذ مهمته في الخرطوم من العبور لعدم قيام المتحرك الثاني بمهمته الخاصة بتأمين كبريي النيل الأبيض والإنقاذ من جهة أمدرمان لتسهيل مهمة عبور المتحرك الثالث وحمايته من الخلف ووقتها كانت قوة من مدرعات الجيش قامت بإغلاق الكبري وأمطرت المتحرك الثالث نيرانًا أجبرته على التراجع وإفشال مهمة عبوره إلى الخرطوم ووقتها كانت بقية المتحركات قد فشلت في الاستيلاء على الإذاعة وتأمين الكباري والسيطرة على القاعدة الجوية ومنطقة كرري العسكرية وهنا بدأت قوات الحركة المنهكة من طول المسير والجوع والعطش في تحسس كيفية الخروج من هذا المأزق والنجاة من موت ونهاية محققة وعند تحركها من منطقة المهندسين تعرضت لكمائن وتكتيكات في حرب المدن لم ترَ مثلها من قبل الجيش والمجاهدين الأمر الذي أدى لزعزعتها وفصلها عن بعضها البعض تاهت بعدها في الأحياء والمنازل مما أفقد من بقي من قيادتها السيطرة لعدم وجود اتصال في معظم عرباتها. وفي تلك الغارة فقدت الحركة الكثير من قياداتها بين القتل والأسر كما فقدت معظم عتادها الذي غنمته في إنجمينا وغيرها واستحوذ عليه الجيش وما تلف منه صار معرضًا شاهده الزوار في ميدان الخليفة بأم درمان ومن يومها لم تُفق الحركة التي كتبت بداية نهايتها بيدها في أزقة وحارات أم درمان.