عندما كنا طلابًا بكلية الطب كان علم وظائف الأعصاب من أصعب فروع الطب، وأذكر أن المتخصصين فيه كانوا أقل من أصابع اليد الواحدة وكانت كلية الطب جامعة الخرطوم تستعين بأستاذ مصري يحضر خصيصاً لتدريس هذا الكورس، وبعد أن وصلنا لمرحلة الاكلنيكية «التدريب السريري» كان البروفسير داود مصطفى طيب الله ثراه هو دالتنا لتطبيق علم وظائف الأعصاب، وكنا نذهب لمكتبه بمستشفى الخرطوم، وكان يأتي بحالات معقدة لمرضى مصابين بأمراض في الجهاز العصبي، وكان يبسطها لنا لما له من علم غزير وباع طويل في هذا المجال. ارتبطت جزيرة توتي باسم البروفسير داود مصطفى في أذهاننا، فقد كان أحد أعلامها إضافة للفنان الكبير حمد الريح، ونحن طلاب كنا نردد أغنية الساقية للشاعر عمر الدوش وهي إحدى روائع الفنان القدير حمد الريح، وكانت مليئة بالرمزية، وكنا شبابًا ثائرين على حكم مايو الشمولي، كانت تلامس شغاف القلب وتملؤنا بالحماس، اغتربت عن الوطن وكان الوصول لتوتي عبر معديتها الشهيرة، وعدت بعد عشرات السنين فتواصلت توتي عبر جسرها الأنيق بمدينة الخرطوم، وانفتحت توتي بجمالها الطبيعي الأخاذ وموقعها الفريد على مدينة الخرطوم بكل أحيائها، ووجدت نفسي ضيفاً على رجل الأعمال الفاتح عبودة بمباني شركته «شركة جزيرة توتي» في موقع مميَّز قبالة كبري توتي وقاعة الصداقة وبرج الفاتح.. أطلعني ابنه المهندس حسام على برنامج طموح وجريء لتحويل كورنيش توتي بهذا الموقع لفنادق وشقق فندقية وقاعات للمؤتمرات وشقق تمليك تنفذه شركات ذات خبرة وشهرة في هذا المجال. كان مضيفي أيضاً سيدة الأعمال «سلوى» وبحضرة يس الشيخ حميدة الذي ذكر لي أن عدد سكان توتي عشرين ألفًا كلهم من قبائل المحس التي هاجرت إلى الجزيرة قبل سبعمائة عام وأن المساحة الكلية للجزيرة حوالى خمسة ملايين متر مربع، وبها تسعة مساجد وأربع مدارس ابتدائية ومركزان صحيان سكانها محافظون لدرجة أن اللوحة التي كُتب عليها «توتي جزيرة الأحلام» أثارت حفيظتهم في مظاهرة كبيرة فخرجت بعد صلاة الجمعة في أول جمعة سبقت الربيع العربي بسنوات وقاموا بتمزيقها في مظاهرة كبيرة، قاطعته قائلاً بترطنو؟ فقال لي يادكتور نحن محس تايوان، وأيضًا الكشافة البحرية كان لها معسكر بجزيرة توتي إبان ثورة مايو وكان مختلطًا مما أثار حفيظة السكان وقاموا بطردهم من بالمعسكر، دلفنا بعد الجلسة العامرة والتعريفية بمكتب الفاتح عبودة إلى شجرة وارفة الظلال لتناول طعام الإفطار وكان عبارة عن قراصة بالدمعة وصحن سلطة من إنتاج الجزيرة به جرجير وعجور وطماطم وليمون وبصل وفجل وماء من الزير، وتطلعت إلى شرفة البحر قبالة الطابية «المقابلة النيل» ولمحت الثورين يجران محراثًا وكانت لوحة من الماضي والحاضر، استرسل محدثي ياسين الشيخ ذاكراً أعلام توتي بدءاً بالشهيد أحمد يوسف الذي استشهد في ثورة «1944م» مدافعاً عن الأرض والعِرض عندما حاول المستعمِر أخذ جزء من الجزيرة، والزعيم مصطفى خالد والد بروفيسور داود الذي ضرب الطاولة بوجه الخواجة، الفريق حسان عبد الله وأمين زكي، والفريق فوزي محمد الفاضل والفريق عبدالرازق الفضل، وختم لوحة الشرف هذه بالشيخين الشيخ حمد والشيخ خوجلي فسألته عن سر تسمية توتي فأجابني مرافقي الصديق د. عمر حموري كلمة تي بالرطانة تعني جزيرة كما في دقنارتي حسين نارتي وبقنارتي.. بمثل ما استقبلنا الفاتح عبودة وابنه حسام ودّعنا د. عثمان السيد وبأريحية وكرم أهل توتي وأصر أن نعاود الكرّة.. ودَّعتهم بحرارة وهاتفت ابنتي لينا أحكي لها عن امجاد جزيرة توتي فقالت لي: أتقصد 2 شاي (twotea ) لعنت حينها الغربة والاغتراب والاستغراب.