أقام وزير الخارجية علي كرتي الدنيا ولم يقعدها وطار أمس إلى روما الإيطالية في زيارة مهمة بالنسبة له من عدة أصعدة!! بعد أن وجه انتقادات مباشرة وصريحة لرئيس الجمهورية بالبرلمان بشأن تصريحات الرئيس إبان نفرة هجليج على شاكلة »«الحشرة الشعبية» و«الناس ديل ما بجوا إلا بالعصا» وقد أثبتت المواقف صحة الأخيرة بعد الدرس الذي لقنته القوات المسلحة للجيش الشعبي في هجليج فضلاً عن أن البشير قال عدة مرات «الجماعة ديل مابفهموا» ويقصد قيادات الدولة الجنوبية وذات الحديث ردده غربيون بعد إغلاق الجنوب لأنابيب النفط وبالتالي لا يبدو البشير قد أتى بجديد سيما في ظل الحرب التي أعلنتها جوبا على الخرطوم باحتلالها هجليج في سابقة تعد الأولى. وهذا بدوره يقودنا لعدم رسم الخارجية لإستراتيجية بشأن التعاطي مع الجنوب وهي مسألة مهمة جدا أُفتقدت في الخارجية التي كان بإمكانها فصل السياسة عن الدبلوماسية بشأن جنوب السودان. أداء الدبلوماسية السودانية ظل محل تساؤل في عهد الوزير كرتي، فالرجل لا يمتلك علاقات مع دول المنطقة العربية مثل التي أنشأها عدد ممن سبقوه للمنصب، ووضح ذلك في ظل الأزمة المالية الأخيرة إذ أن التعامل مع بعض الدول العربية تم بمعزل عن كرتي وهذا يُعد انتقاصاً له ولكن عدم مده جسور التواصل مع تلك الدول حال بينه وفتح مسارات تسمح بتدفق الأموال لخزانة المالية فضلا عن اضمحلال الدور السوداني في الجامعة العربية. علاوة على أن ملف العلاقات السودانية الأمريكية يكاد يدار بمعزل عن الرجل، وقد سبق أن تولى مستشار الرئيس د. غازي الحوار مع واشنطن وكذلك فعل مساعد الرئيس نافع علي نافع من خلال الحوارات المطولة مع المبعوث الأمريكي الأسبق وليامسون وكل ذلك يخصم من رصيد كرتي الدبلوماسي والسياسي إن لم يكن يقلل مكانته كوزير للخارجية. التكبيل الذي تعانيه الخارجية ليس من نقص الأموال حسبما أشار الوزير كرتي ولعله من خلال غياب ملحوظ لكرتي عن كثير من المحافل ما جعل أداء الخارجية يتسم بالبطء ونستدل هنا بالحضور الكبير في غير محلة لوكيل الوزارة فضلاً عن الغياب البائن لوزير الدولة صلاح ونسي بجانب نظيره من الحزب الاتحادي منصور العجب.. انتقادات كرتي لتصريحات السياسيين يقودنا إلى معرفة مكمن الثقة التي يتحدث بها الرجل!! والذي جاء إلى مقعد الخارجية بعكس توقعات الكثيرين سيما وأن البعض اعتبر قدومه بداية لمرحلة التشدد حيث أنه أحد منسقي الدفاع الشعبي وهو ما يتنافى الآن مع مواقفه من خلال تبرمه من تصريحات السياسيين. قيادة كرتي للدفاع الشعبي بجانب عمله في التنظيم الخاص قوّت نفوذه داخل الإنقاذ فضلاً عن إمتلاكه المال إذ يعد من أثرياء الإنقاذ من خلال تجارته الواسعة في مجال مواد البناء وخاصة الأسمنت ومعلوم تقيده بالمنصب الذي يحتم عليه البعد عن العمل الخاص وهذه العوامل مجتمعة علت من كعبة لكن بكل حال هذه الأسباب لا تشفع له بانتقاد تصريحات الرئيس البشير في الهواء الطلق والتي تعتبر في حد ذاتها خروجاً عن اللياقة الدبلوماسية التي يفترض أن تتوافر في كرتي دون غيره. كما أن انتقاده يعني رفضه التعبئة التي تنتظم البلاد وهي ضرورية في هذه المرحلة بكل حال. والمتتبع لأداء الخارجية عقب احتلال دولة الجنوب لهجليج يلحظ قصورًا بائناً من خلال الخطاب الإعلامي للخارجية التي لم تستفد من الذين يجيدون اللغة الفرنسية والسواحلية فأضاعت الفرصة على نفسها مثلما يحاول أن يضيع كرتي الفرصة على نفسه كونه وزيرًا للخارجية وهو لم يكن الخيار المطروح.