وأنا في طريقي لكتابة هذا المقال عن موقف المؤتمر الشعبي مما نشرته صحيفة «الإنتباهة» طافت بذاكرتي قصة تحكى في البوادي والحواضر وهي قصة أصحاب الثور الذي أدخل رأسه في زير الماء فهب الجميع من غير تعقُّل أو ترتيب للأولويات إلى المكان، وانصبّ تفكيرهم في تخليص الثور من الزير فقاموا بقطع رأس الثور، ولما كان سعيهم أن يكون الزير فارغاً قاموا بكسر الزير، وبهذا صاروا كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. أعزائي الشعبيون هل فهمتم مدخلي إليكم وقد حزنا أشد الحزن ونحن نرى حزب الأفكار وسليل البيت الحركي وهو لا يفرق بين الهدف والوسيلة وبين الضروري والضار حتى وسع الفتق على الراتق. وبالأمس وبعد الوثيقة التي نشرتها جريده «الإنتباهة» عن الفكر الجوهري لحزب الترابي الجديد وكلمة حزب الترابي لم تقع مني سهواً فأنا أعني ما أقول، والشعب معي وليس في الأمر جديد أو عجب لأن الترابي يوم أن وطئت قدماه أرض المنشية عائداً من سجن يوسف كما يسميه قال لكل الصحف والقنوات إنه سوف يقوم بتأسيس حزب يتجاوز به الشعبي والوطني وكان هذا مثارًا للنقاش إذ الترابي لم يسلم على الحاضرين دعك من أن يجتمع بهم ويقرر ولم يستهجنوا يومها ما قال بل استبشروا وبشروا وذلك لسببين أولهما:- أن كل القيادت في الشعبي تعرف أن هذا الحزب هو حزب الترابي وليس لأحد وزن فيه ولا قيمة. والثاني: أن الجميع يعرفون أن الحزب أستنفد أغراضه في المغاضبة من إخوان الأمس ولم يعد له لازمة، لكن مع ظهور هذه الوثيقة كنا نظن أن قيادات الشعبي سوف تسرع في تفسير حصاد التجربة ودواعي الرحيل وتذهب في شرح البرنامج المطروح وكيفيته وآلياته لكن كمال الأتاتورك طالعنا بمنشيت احمر أن الشعبي لا ينوي تغيير حزبه وفي هذا إحباط للشعبيين والشعب إذ أن هنالك قيادات ما زالت تظن بالشعبي خيراً ولا أدري من أين جاءهم هذا الإحساس والترابي نفسه قال إن امانات الحزب من حيث النشاط ما بين غائب وجامد وممحي، وغالب أمناء الولايات يسكنون الخرطوم، ولا يجدون ما يسد الرمق وليس لحركة طلاب الشعبي من أثر دعك من سالب الخطاب والذي غيب المعالم وركب المظالم، والتي أوهنت عظمه وفتّت عزمه وأنشط الأمانات السياسية والتي ينفذ صاحبها ما يملى عليه بكرةً وعشية وفوق ذلك يسير في الاتجاه الخطأ فلماذا أحب البقاء؟ وقول الأمين السياسي الأتاتورك غير المذاكر يكذبه الواقع من ثلاث جهات: الأولى تصريحات الترابي والتي يمكن أن يعاد بثها ونشرها عبر القنوات والصحف. والثانية: الاتصالات التي قادها الترابي لبناء حزبه الجديد بالكيانات الدينية والسلفية والصوفية من أزرق طيبة والنوق المذبوحة على عتبات الدخول للمنشية مروراً بحضور الكودة مؤتمر الخرطوم حتى ظن الحاضرون انه عضو في الشعبي أو الجديد.. والثالث الأجهزة التنظيمية والتي ما انفكّت تجتمع وتنفض لصياغة رؤى القادم الجديد فهل نسي الأتاتورك كل ذلك أم أنه يعمل بقاعدة أخف الضررين والتي تقول حين تزاحم المفاسد يتحمل الضرر الأصغر لدفع الضرر الأكبر ولو سلمنا بذلك فماذا يخشى الترابي من ظهور هذه الوثيقة حتى يتنكر لها ونسف ما بنت يداه وأول ما يخشاه الترابي هو جيل الرواد والذي لطالما دافع عن الترابي وجعل من أقواله المؤلمة وآراءه الملزمة وقراراته المعلمة مقدسة وزينة للناظرين وذلك لأن طريقة الانتقال والتي طرحها الترابي لا تحفظ سبقهم وجهادهم وحيث يقوم الترابي معتمداً على شخصه وكسبه بخلع عباءة الشعبي والهجر إلى أرض أخرى والدعوة للانضمام له وليس في ذلك أفضلية للسنوسي والحبر ويس عمر والكودة وعبد الله حسن وأزرق طيبة فمن جاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن جاء في الساعة الأخرى فكأنما قرب بيضة.. وتظلمك سرعتك، أما جيل الرواد فهم مازالوا في غمرة ساهون ويظنون أن الانتقال مثل سابق الحركة وهيهات لأن الانتقال في السابق كان يتم عبر الرموز الحركية وتنفتح ويبقى تنظيم الإخوان يضم أهل التنظيم الأصلي وحيث حارب الترابي السرية وجعل باطنها ظاهرها فليس لكم إلاّ المصاحف أو الأقراص الصلبة وسعيكم مشكور. والجزء الثاني أن الوثيقة والتي لم يستشرْ فيها أهل الولاء والولايات فكيف تكون نافذة وناجزة تحدد مصير الحزب وتفض عهد الشراكة دون حضور الشركاء لكن هذا جزاء وفاق لأنكم دفنتم رؤوسكم في الرمال ومررتم كل القرارات بحجة الخوف لا أدري أمن الترابي أم على الترابي حتى بيع الحزب وانفضت شركتكم وتم الاتفاق مع الشركاء الجدد فهنيئاً لكم ولهم كل امرئ يأكل زاده. والثانية وهي أحزاب التحالف والتي تحملت وجود الشعبي غير المرغوب فيه في التحالف وصبرت على المواقف الذاتية والتي جعلت لكل حزب موقفين: موقف مع الشعبي المغاضب وموقف مع التوازن والنفس والحق والأحزاب التي خادعها الترابي الذي يمرر إساءتهم سوف يعاجلهم بها يوم أن تحين له فرصة الانقضاض ودستوركم العلماني ولجانكم سوف يأتي الترابي بتياره الجديد والذي يسقط كل الشعارات الخواء لكن الأتاتورك الكومبارس اتحداه لو كان يفقه شيئًا مما يقول، ولذلك تجده ينادي للحركة الشعبية أكثر من باقان وعرمان والشعبي يصعب فيه الرتق وكل حديث أو فعل قام به أحد أعضاء الأمانة ولم يوافق الترابي عده موقفًا شخصيًا ومثل ذلك كثير وكل مواقف عبد الله حسن من القوات الدولية والمحكمة الجنائية ودعوات الرئيس للقاء قادة الأحزاب وهجليج السودانية والدستور الإسلامي وزيارة المجاهد الناجي عبدالله لجرحى العمليات ووداع المجاهدين في قيادة الدفاع الشعبي ومبادرة الدكتور بشير آدم رحمة بين الحكومتين وتضامن الشعبي في النيل الأزرق مع الجيش والحكومة في حماية المدنيين ورد المعتدين وتضامن الشعبي في جنوب كردفان مع الحكومة لرد العدوان وقيادته للقاء القيادة السياسية في القصر بالخرطوم وزيارة أهل نهر النيل للقيادة العسكرية وتهنئتهم بتحرير هجليج.. كل ذلك الذي حدث من قيادات الحزب وأماناته يجد الإدانة عند الترابي ويعد موقفاً شخصياً يعاقَب فاعله ويثاب تاركه، أما الترابي والذي كان الشعبي حزبه قبل الرحيل فهو يفعل كل شيء ولا أحد يجرؤ على السؤال فهل يستطيع الشعبي كله لو قام في صعيد واحد أن يلغي ما أقره الترابي أو يبدله من تلقاء نفسه؟ لا أظن وكذبوني إن كنتم تستطيعون، وما هجليج عنكم ببعيد.