ليس من شأن من حاول عمل شيء أن يقدره، ينقص منه أو يزيد عليه، إنه شأن الآخرين، فهم الذين يضعون الموازين القسط يصلحون في المحاولة، ولا يفسدون، فخير للزبد أن يذهب «بالنقد» جفاء، وخير الناس أن يمكث في أيديهم ما ينفعهم «محمد عنبر». ونحن من الآخرين الذين عناهم محمد عنبر هذا، حين يتعلق الأمر بما اعتزمت وحدة تنفيذ السدود عمله بشأن مشروع غرب القولد الزراعي، الذي سمي زوراً بالقطاع «3»، ضمن مشروع مروي الزراعي! ونقدنا لهذا العمل يأتي في عدة محاور نوجزها بقدر ما تحتمل كلمات هذا المقال سماحاً من إدارة الصحيفة، ولذلك نقول: أولاً: الفكرة الأساسية، أن يقوم خزان في منطقة «الحامداب»، وهو ما تمت تسميته بخزان مروي ولا ندري لم كان ذلك غرضه أن يوفر لأهل السودان طاقة «رخيصة»، ثم يوفر لأهل الشمال الذين حبس السد ماء النهر عنهم «ماءً» لري الأرض، المزروعة والمتروكة لعدم القدرة. ثانياً: قام السد، ومد اسلاكه يمنة ويسرة، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، وأنار بعض البوادي وكل الحضر، دون أن يمن على المشروعات الزراعية بشيء ذي بال، وفاضت المياه أمامه فأغرقت ما أغرقت، كما غاض الماء خلفه «شمالاً»، فاصبح النهر كما «الخور»، يتلجلج فيه الماء ضحلاً، لا يروي حتى ما كان يروي من زرع. ثالثاً: كان المأمول عند تخطيط السد وفق ما قيل أن تقام ترعتان، يمين النهر ويساره، تمتدان شمالاًً لري الأراضي البور في التروس العليا، وكان هذا هو الوعد والتمني. رابعاً: ولأجل ذلك كان قرار السيد رئيس الجمهورية بالرقم «206» لسنة 2005، بنزع أراضٍ بالولاية الشمالية، وتمليكها لوحدة تنفيذ السدود حتى تتمكن من شق الترع المعنية، وإقامة قنوات الري تمكيناً لمن شاء من أهل الدار ثم الذين يلونهم من السودان الكبير، ثم لأولي القربى رحماً وأرضاً ثم غيرهم إن بقي من الأرض شيء. خامساً: وكان هذا حلماً ولا أروع، فإذا بوحدة تنفيذ السدود تجهضه ويلد جبلها فأراً اسمته القطاع «3»، وقصدت به أرض مشروع غرب القولد حصراً وغيرت في الخطة الأساس ما رأت أنه يتوافق وغرضها الجديد، الذي بدأت تبشر به، بأن يا قوم إنا نريد أن نقيم مشروعاً يروى من النيل بالطلمبات وستشق له ترع ترفع لها المياه رفعاً إلى أعلى، وسنقيم دولاباً محورياً لري هذه الأرض، نزرع فيها ما نشاء كيفما نشاء وبمن نشاء ولا عزاء لأهل القولد ولا لغيرهم. وما درى أهل السد أن لمواطني هذه البلدة رأياً، ولما دروا اعرضوا عنه رغم أنه يرمي لما يصلح الفكرة ويحجب عنها الفتن ما ظهر منها وما بطن. ورأيهم الذي نعلم، وفق ما أبانوا أنهم لا يمانعون أن يكون على أرضهم عمل ينفع الناس ولكن بالتي هي أمثل لا بالتي هي أشف ويقولون: إن كل المشروعات الزراعية التي تقع في التروس العليا بعيداً عن النيل وتقرر أن تروى منه بالطلمبات قد فشلت فشلاً ذريعاً، واصبحت يباباً وخراباً، ولا يحتاج الأمر إلى التمثيل، وزيارة واحدة للولاية الشمالية تكفي. ورأيهم أيضاً: أن أي جهد يُبذل الآن وأي مال يُنفق تنفيذاً لمثل هذا المشروع ينبغي أن يدخر لما هو خير وألا يستبدل بالذي هو أدنى وإن كانت الأخرى واستبدل الذي هو خير بالذي هو أدنى- كما تشير قرائن الأحوال فإن ما اقترحه أهل المنطقة أولى بالدراسة ثم القبول ذلك أن أهل مكة أدرى بشعابها و«جحا أولى بلحم توره» وفيما اقترحوه خير كثير. فهم لم يرفضوا الفكرة بالكلية وإنما عدلوا فيها بعضاً من الطرائق وأضافوا لها بُعداً آخر من المعاني بحيث يكون لهم أن يُشركوا في أمر هذا المشروع عبر حكومتهم الولائية، ومؤسساتهم الشعبية، ومساهمتهم في التنفيذ والإدارة هذا فضلاً عن مطلبهم الأول بأن تترك مساحة معينة لبقية شأنهم، سكناً وزرعاً وتوسعاً في مناحي الحياة الأخرى. وأكثر ما يحزن المرء في هذا أن حكوماتنا تقول بما لا تفعل أصلاً، فهي تدعي أنها تعمل بالشورى ولم تتم مشاورة أهلنا في هذا الأمر ولما طلبوا ذلك بل وأبدوا رأيهم منشوراً وكفاحاً أهملوه ولم يعيروه اهتماماً بل «صهينوا منه» عاملين بالمثل العامي: تنبح....ماشي... ويحزننا بأكثر من ذلك موقف حكومتنا الولائية والمحلية ونائب دائرتنا الهمام ! ف«لا جدعوا ولا جابوا الحجار» ولا تركونا لذلك. رسالتنا إلى أولئك انكم خاسرون وتخسرون ولن يُنجز أمر ابرم بليل بعد أن أصبح الصبح ولنا عودة. نصر الدين حسن محمد