معركتنا مع مجلس الأمن الدولي والإدارة الأمريكية لن تنقضي بالقرارات الأممية التي شبعت منها البلاد، والسودان قد تجاوز فخ المواجهة والانهيار الذي تمنوه واقعد حشرات الحركة الشعبية عسكريًا ودبلوماسيًا وسياسيًا؛ فالمرجع الضابط لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية هو النظام الأساس للمحكمة دون سواه ولا تمارس المحكمة ولا مدعيها العام بالضرورة أي إجراء قانوني إلا إذا كان ذلك الإجراء القانوني موافقاً لأحكام نظامها الأساس وتأسيساً على ما تقدم فإن الحجة التي تفضح مخالفة القرار «1593/2005» الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته رقم «5158» المنعقدة في «31 مارس 2005م» وطلب المدعي العام ولائحة ادعائه لنظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية إذ ورد في البند «1» من ذلك القرار مايلي: «يقرر «مجلس الأمن» إحالة الوضع القائم في دارفور منذ يوليو «2002م» إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.. «تم قرار الإحالة بإشارة من مجلس الأمن إلى المادة «16» من نظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية وهي مادة لا صلة لها بالإحالة ولكنها مادة تتعلق بإرجاء التحقيق أو المقاضاة، كما تمت الإحالة بالإشارة إلى المادتين «75 و 79» من نظام روما الأساس، أما المادة الأولى منهما فهي تعالج حصراً جبر أضرار المجنى عليهم، أما المادة الثانية فهي عن الصندوق الاستئماني لصالح المجنى عليهم وليس ثمة صلة بين قرار الإحالة والإشارة لهاتين المادتين.. وبما أن المادة «98» تتناول التعاون فيما يتعلق بالتنازل عن الحصانة والموافقة على التقديم فإن البند «2» منها يقرأ كالتالي: «لا يجوز للمحكمة أن توجه طلب تقديم يتطلب من الدولة الموجه إليها الطلب أن تتصرف على نحو لا يتفق مع التزاماتها بموجب اتفاقات دولية تقتضي موافقة الدولة المرسلة كشرط لتقديم شخص تابع لتلك الدولة إلى المحكمة، مالم يكن بوسع المحكمة أن تحصل أولاً على تعاون الدولة المرسلة لإعطاء موافقتها على التقديم.. «إذا كان مجلس الأمن قد أحاط علماً بوجود اتفاقات دولية تقتضي موافقة تلك الدولة كشرطٍ لتقديم شخص تابع لها إلى المحكمة وعدم جواز توجيه طلب تقديم بوساطة المحكمة يتطلب من الدولة الموجه إليها الطلب أن تتصرف على نحو لايتفق مع التزاماتها مع تلك الاتفاقات الدولية ففيم الإحالة إذاً؟!! وفيم العجلة من المدعي العام؟!! هذه المواد تصلح للإشارة إلى قلق الولاياتالمتحدةالأمريكية من تقديم أي جندي أمريكي للمحكمة ولا تصلح سنداً للإحالة بل هي حجةُُ دامغةُُ ضد قرار الإحالة. ورد في البند «2» من القرار «1593/2005» مايلي: «يقرر «مجلس الأمن» أن تتعاون حكومة السودان وجميع أطراف الصراع الأخرى في دارفور تعاوناً كاملاً مع المحكمة والمدعي العام وأن تقدم إليهما كل ما يلزم من مساعدة، عملاً بهذا القرار، وإذ يدرك «مجلس الأمن» أن الدول غير الأطراف في نظام روما الأساس لا يقع عليها أي التزام بموجب النظام الأساس، يحث جميع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية الأخرى المعنية على أن تتعاون تعاوناً كاملاً.. «إذا كان مجلس الأمن يدرك أن السودان دولة غير طرف لعدم مصادقته على نظام روما الأساس وأن الدول غير الأطراف في نظام روما الأساس لا يقع عليها أي التزام بموجب النظام الأساس فعلى أي أساس يقرر مجلس الأمن أن تتعاون حكومة السودان تعاوناً كاملاً مع المحكمة والمدعي العام!؟ وإذا كان اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وأسلوب عملها يخضع لنظام روما الأساس وفقاً للمادة «1» من ذلك النظام الأساس الذي لا يلزم دولة غير طرف بأي التزام كما أدرك مجلس الأمن، فعلى أي أساس تمت الإحالة؟ لقد جاء قرار مجلس الأمن رقم «1593/2005» معيباً ومليئاً بالمتناقضات على نحو مهين.. ويحدد المركز القانوني للمحكمة الجنائية الدولية وسلطاتها وفقاً للمادة «4» «2» من نظام روما الأساس.. «أن تمارس المحكمة وظائفها وسلطاتها على النحو المنصوص عليه في النظام الأساس في إقليم أية دولة طرف ولها وبموجب اتفاق خاص مع أية دولة أخرى، أن تمارسها في إقليم تلك الدولة.. «وبما أن السودان دولة غير طرف في نظام روما الأساس وبما أنه لا يوجد اتفاقًا خاصًا وفق منطوق المادة بين المحكمة وبين حكومة السودان فإن رعايا السودان خارج ولاية المحكمة الجنائية الدولية بالكلية ولا تستطيع المحكمة الجنائية الدولية بأي حال أن تمدد اختصاصها ليشمل السودان ورعاياه. هكذا كان سبيل الإحاطة الأول بالسودان عبر القرار أعلاه، وبعد أكثر من 7 سنوات يعاود ذات المجلس الكرة ليصدر قراراً آخرًا بالرقم «2046» بتاريخ «2/5/2012م» بحيثيات مختلفة وخلفيات معايرة، وظرف مختلف لكن المحصلة النهائية واحدة.. فهو يكاد يتشابه أو يتطابق مع قرار مجلس السلم والأمن الإفريقي الذي صدر قبل أيام، مع إضافات قليلة «وأن تلك الإضافات ذهبت بالقرار ليكون أكثر سلبية حتى من قرار مجلس السلم والأمن الإفريقي، وأن القرار الحالي لا يختلف عن عدد من القرارات التي صدرت سابقاً بحق السودان، وكأنه خلط للأوراق وإعادة إنتاجها على نحو جديد! وعجبت أن يصاب أهل القانون في بلادي بانزعاج قانوني إزاء هذا القرار كونه أسوأ قرار يصدر ضد السودان، والقضية التي كانت بين يدي المجلس «أو أساس الموضوع هو إدانة الحركة الشعبية فيما يتعلق بهجليج ثم العودة إلى بقية الموضوعات، لكن القرار ليس فيه إدانة، وإنما تلاعب تلاعبًا كبيرًا بالإدانة»، وامتلأ بالأضرار بعد أن وضع إطارًا زمنيًا ضيقًا لتنفيذ كل شيء يهم الغرب وأمريكا ودول الإقليم وقطاع الشمال، وتجاهل كل شيء يمكن أن يفسر لصالح السودان، وعلى السودان أن يلتزمه ويتعامل معه ويطبقه!. ولعل من الملاحظات العامة التي أوجدها القرار الجديد القديم، حالة الانقسام الحاد حتى في متخذ القرار السوداني تجاه التعامل مع قرار مجلس الأمن، جعل مؤسسات الدولة والحزب كل يفسره ويتعامل معه على طريقته، وصُناع القرار في جهات أخرى في بعض المنابر وبعض الصحف تغرد على طريقتها، وداخل الحزب الحاكم كذلك! لكن ما يهم في هذا القرار أنه أعطى فرصة لتمرين عقلي دبلوماسي سياسي حاد استنادًا إلى تجربتنا السابقة مع قرارات مجلس الأمن الذي وضع نفسه في مأزق، وليس على السودان فقط وحكومة جنوب السودان! حالة انقسام تبرز على خلفية القرار «2046» برغم أن حادثة احتلال هجليج وفرت فرصة للتعاضد والتآزر الوطني ومساندة الدولة على نحو غير مسبوق من قبل الكل دون اصطفاف حزبي، يراد له أن ينتهي بهذا القرار! وبرغم أن اتفاق أديس أبابا الأخير أو ما يعرف بالحريات الأربع أحدث حوله صراعًا وانقسامًا انتهى إلى لا شيء، ولكن المعضل الكبير الذي لم يتبيَّنه أهل القانون والساسة عندنا، أن هذا القرار الجديد مرتبط عضويًا وهيكليًا بالقرار «1593»، أن محاولة الكونغرس الأمريكي باستصدار قرار يعاقب أي دولة تتعاون مع البشير بقطع المعونة فيما يعرف بقانون المرور والموازنة! الولاياتالمتحدة هي ليست عضوًا بالجنائية الدولية ولكنها تتصدر قيادة حملاتها، الأمر الذي يلزم المشرع السوداني وأجهزته ممثلة في البرلمان ومجلس الوزراء من أن تستصدر قوانين مشابهة باتجاه الأمريكان وأعضاء الكونغرس لوقف حملة الابتزاز والمزايدات التي لم توقفها كل أساليب الانبطاح والتنازلات التي قدمتها الإنقاذ لأمريكا! الذي يريد أن يحاصر البشير ويمنعه عن السفر، ويتجاوزه في اللقاءات الرسمية داخل القصر الجمهوري، وهو يعلم أنه رأس الدولة ورئيس الحزب ومن بيده إبرام الاتفاقيات وإعلان الحرب والتفاوض وكل مطلوبات السيادة عليه أن يدرك أن لا وجود بعد اليوم لمبعوث أو مسؤول يدخل البلاد ولا يرغب هو أو دولته في لقاء البشير، على أجهزتنا أن تمنعه من الدخول ومن سمة التأشيرة وأن لا يمكن من مقابلة أي مسؤول، كفانا مهازل وأمريكا لا ولن تفهم سوى لغة واحدة يتوجب علينا أن نزنها بذات المكيال!.