وهكذا يزيح سلفا كير آخر ورقة توت كانت تغطي عورة حكومته وحركته الشعبية التي ظل عرّابها قرنق يمارس الخداع وهو يصور للعالم الإسلامي والدول العربية أنه لا يحمل توجهات معادية للإسلام أو للعرب والعروبة بالرغم من أن دستور الحركة وخطابها السياسي ينضح بالعداء لكل ما يمت إلى الإسلام أو للثقافة العربية بصلة. أخيراً أزاح سلفا كير القناع عن توجهات حركته وحكومته المعادية للإسلام متجاهلاً أن نسبة مقدرة من شعبه يدينون به فقد اضطر الرجل أخيراً إلى دغدغة مشاعر الكراهية المركوزة في نفوس النخب في إفريقيا جنوب الصحراء للإسلام والعرب والتي غذّتها الكنيسة من خلال مدارسها وإرسالياتها التبشيرية على مدى عقود من الزمان وذاك بغرض حشد تأكيد الأفارقة شعوباً وحكومات إلى صفِّه في مواجهة السودان. قال سلفا كير إن جنوب السودان لن يسمح للسودان بنشر الإسلام في إفريقيا وأضاف أن دولة الجنوب تخوض معركة الأفارقة ضد السودان الذي يستهدف إفريقيا بسعيه إلى نشر الإسلام بين شعوبها مطالباً الأفارقة بألا يقفوا على الحياد في المواجهات المحتدمة بين السودان ودولة جنوب السودان!! نفس اللغة التي كان قرنق يستخدمها في تأليب الأفارقة ضد السودان الشمالي مستغلاً انحياز الأفارقة إلى مانديلاً وأبناء جلدته في جنوب إفريقيا الذين كانوا يخوضون معاركهم ضد نظام الفصل العنصري في تلك الدولة التي كانت تحت سيطرة البيض الذين كانوا يسومون الأفارقة بقيادة مانديلاً أبشع صنوف القهر والاستعباد والإذلال والتفرقة العنصرية فقد كان قرنق يستخدم تلك الشفرة السحرية في تحريض إفريقيا جنوب الصحراء ضد الشمال وكان يقول إن العرب في السودان لا يختلفون عن البيض في جنوب إفريقيا من حيث ممارستهم للتفرقة العنصرية ضد أبناء الجنوب وكان يقول من خلال أجهزة الإعلام في الدول الإفريقية التي كانت تنفعل بمثل هذا الحديث إن العرب في السودان دخلاء ومستعمِرون لأرض أبناء الجنوب الذين كان يُشبِّههم بالسود في جنوب إفريقيا وإن العرب بقوا في الأندلس أكثر من ثمانمائة عام وبالرغم من ذلك أُخرجوا من الأندلس التي مكثوا فيها أكثر مما مكثوا في السودان وسيخرجون من السودان كما أُخرجوا من الأندلس. ذات الخطاب العنصري الذي استخدمه قرنق قديماً في إفريقيا السوداء، التي كانت تستقبله بعض دولها بالبساط الأحمر استقبال رؤساء الدول، يستخدمه سلفا كير الآن مؤلِّباً ومحرِّضاً ضد السودان؟! وهذا ما جعل دول الإيقاد تنحاز إلى جنوب السودان وتنشط في مساندة قرنق طوال فترة التفاوض الذي أفضى إلى توقيع نيفاشا التي نتجرع سمها الزعاف اليوم!! لكن ما الذي جعلنا نقبل مبادرة الإيقاد المسنودة من أمريكا والدول الغربية الداعمة للجنوب والمبغضة للشمال ونتنازل تحت ضغط قرنق وأمريكا عن المبادرة المصرية الليبية التي تُعتبر أخف ضرراً من الإيقاد بالرغم من أن مبارك والقذافي كانا حرباً علينا وهل اشتد عود قرنق وحركته إلا بدعم بلا حدود من القذافي؟! بعض رجال الإيقاد يصدرون عن حقد عنصري أعمى ضد السودان ومن هؤلاء يوري موسيفيني الذي بالرغم من أنه ضالع في اغتيال قرنق بالتنسيق مع سلفا كير، إلا أنه كان من أكبر الداعمين لقرنق قبل توقيع نيفاشا وللجنوب بعد مصرع قرنق، سيما وأنه كان زميل دراسة لقرنق في تنزانيا وشهد الرجلان مذبحة العرب في زنجبار في ديسمبر 4691 وظلت تلك المذبحة عالقة بذاكرة الرجلين يتمنيان تكرارها في حرب الجنوب ضد الشمال وفي حرب دولة الجنوب الحالية ضد السودان. نحمد الله كثيراً أن مصر وليبيا ما عادتا محكومتين بحكم الطاغيتين فرعون مصر وفرعون ليبيا بل إن رياح التغيير جرت وفق ما يريده السودان كما أن حكومة خادم الحرمين الشريفين لا ترضى البتة المساس بالسودان الأمر الذي يفسر التأييد الذي وجده السودان مؤخراً في الجامعة العربية خاصة بعد الاعتداء على هجليج. لن ينسى العرب أن أول دولة حطّ فيها سلفا كير رحاله كانت إسرائيل ولن ينسى العرب التصريحات العدائية التي صدرت مؤخراً من الرجل ضد العرب والإسلام خاصة حديثه عن أنه لن يسمح بانتشار الإسلام واللغة العربية في العمق الإفريقي وما كان للعرب ولمصر خاصة أن تنسى إلغاء الحكومة السودانية لاتفاقية الدفاع العربي المشترك بضغط من قرنق في ثمانينات القرن الماضي. إن هذه الأبعاد الحضارية في الصراع بين دولتي السودان وجنوب السودان ينبغي أن تكون حاضرة في أروقة الجامعة العربية بل الأهم من ذلك أن تُعِدّ وزارة الخارجية ملفاً مدعوماً بالوثائق حول مشروع السودان الجديد الذي تتبناه دولة الجنوب التي لا تُخفي مشروعها التوسعي الاستعماري لحكم السودان والمسمى بمشروع السودان الجديد وهل أدل عليه من إصرار الحركة على الاحتفاظ باسمها حتى بعد أن ذهبت بدولتها المستقلة (الحركة الشعبية لتحريرالسودان)؟! هل أدل على ذلك من حديث سلفا كير يوم تدشين دولته أمام البشير عن جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وأبيي؟! هل أدل من دعم عملاء الحركة التابعين لها من قديم عقار والحلو وعرمان بل والحركات الدارفورية المسلحة؟! هل أدل من تهديد عقار بدخول الخرطوم أيام كان والياً على النيل الأزرق؟! على الخارجية أن تطالب العرب بألا يكونوا محايدين في معركة السودان ضد دولة جنوب السودان بل عليها أن تقنع مصر أنها جزء من معركة دولة الجنوب وإسرائيل في السودان وأن أمنها القومي مهدد بما يجري في السودان وأنه إذا كانت إسرائيل ليست محايدة في الصراع بين السودان ودولة جنوب السودان فإن مصر لا يجوز لها أن تكون محايدة في الصراع بين الدولتين وإذا كان سلفا كير يطالب الأفارقة بأن ينحازوا إليه في معركته ضد السودان باعتبارها معركتهم فإن على السودان أن يطلب من العرب أن ينحازوا إليه باعتبار أنه يخوض معركتهم.