التهنئة الرقيقة التي بعث بها المرشد العام للإخوان المسلمين د. محمد البديع من مصر للمراقب العام الجديد للإخوان المسلمين في السودان الشيخ علي محمد أحمد جاويش فور اختياره من قبل المؤتمر العام للجماعة المنعقد يومي الجمعة والسبت الماضيين بعيدًا عن الأضواء الإعلامية، تعود بنا تلك التهنئة إلى قراءة في دفاتر العام 1949م حينما وصل وفد للإخوان المسلمين من مصر للسودان بقيادة عبد الحكيم عامر «سكرتير الجماعة» وعقد كثيراً من الاجتماعات لشرح فكرهم وأيديولوجيتهم، وفي أبريل من ذات العام ظهر أول فرع للجماعة في السودان من خلال دراسة الطلاب السودانيين في مصر وتعرُّفهم على الكثير من أيديولوجيا الإخوان، وخلال تلك الحقبة بدأ نشاط مجموعات الإخوان داخل الجامعات السودانية وكان الطلاب الجامعيون هم الداعم الأكبر للحركة، وفي خطوة لتوحيد المجموعات تحت منظمة واحدة أقيم مؤتمر عام 1954م وتم تسمية المؤتمرين باسم «الإخوان المسلمين» من مجموعات مختلفة ممثلة للإخوان تحمل ذات الأفكار، وصوّت المؤتمر على إنشاء منظمة موحدة تتبنى أفكار «حسن البنا» الأب الروحي للجماعة.. هكذا تقول الرواية التي تحكي عن تاريخ الإخوان وتتصدر الصفحة الرئيسة لموقعهم على الشبكة العنكبوتية. ولعل المتتبع لمسيرة الجماعة يرى أنها لم تنشأ بمعزل عن شبح الخلافات الذي يلازم التجربة الإسلامية منذ المحاولة الأولى لتنظيم كيان الجماعة، فكان أول انشقاق للذين رفضوا الاسم والانتماء الحركي لجماعة الإخوان وخرجوا باكرًا من صفها مثل بابكر كرار وميرغني النصري وغيرهما، وتوالت الخلافات التي عصفت بالجماعة في مناحٍ شتى قسمتها إلى أكثر من كتلة لم تفلح الجهود المستمرة للم الشمل في حسمها وآخرها الحوارات التي توقفت فجأة بين جماعة «جاويش» والمؤتمر الوطني للمشاركة في الحكومة، وقبلها حوارات في العمق في تسعينيات القرن الماضي مثل الإخوان المسلمون أحد أضلعها الرئيسة ولم تصل إلى نهايات حاسمة بالرغم من التمثيل الرفيع لقادة الحركة الإسلامية التي يجمع كثير من المنتسبين إليها بين المنصب السياسي والحركي، ومع ذلك فإن الكثير من الإسلاميين يرى أن تلك الخلافات طبيعية وتسير في الاتجاه العام لسنة الحياة التي فطر الله الناس عليها. وبالرغم من أن اختيار الشيخ «جاويش» المولود في العام 1941م، جاء خلافاً لتطلعات المراقب السابق الحبر نور الدائم، والذي يرى بحسب تصريحات سابقة له الدفع بعناصر شبابية لا سيما في سدة القيادة، إلا أن سيرة الرجل الذاتية ربما هي التي دفعت به إلى تولي المنصب الذي يجيء في ظروف تتطلب الكثير من الجهد السياسي والفكري ، تخرّج جاويش الذي ابتدأ حياته الدراسية بالولاية الشرقية بمدينة بورتسودان في كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم وعمل بوزارة المالية ومستشارًا لإحدى الشركات البريطانية خلال رحلته الخارجية وانخرط في العمل التجاري، ويعد من المؤسسين لبنك فيصل الإسلامي، وتولى عدداً من المناصب التشريعية بحكومة الإنقاذ وكان أحد أعضاء المكتب التنفيذي أيام الجبهة الإسلامية بقيادة د. حسن الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، وقبل انتخابه الأخير كان نائباً للمراقب العام للإخوان المسلمين السابق منذ العام 2008م وحتى العام 2012م، ويعد من الممسكين بزمام الكثير من الملفات المهمة بالجماعة ويعتبر المفوّض والمسؤول عن إدارة ملف الحوار مع المؤتمر الوطني خلال الفترة الماضية بحكم مسؤوليته عن الملف السياسي بالجماعة. بالرغم من طبيعة الإجراء لاختيار مراقب عام في مؤتمر عام للجماعة باعتباره أمرًا روتينياً يتم بعد كل «4» أعوام، بحسب مسؤول الإعلام، هشام حيدر، لمراجعة الأداء والعمل، يرى المحللون أن مغادرة الحبر يوسف نور الدائم المولود بقرية السروراب بالريف الشمالي لمدينة أم درمان التي تلقى بها تعليمه الأولي والحائز على درجة البكالوريوس «مرتبة الشرف» الأولى من كلية الآداب جامعة الخرطوم ودرجة الدكتوراة من جامعة أدنبرة بالمملكة المتحدة، للمنصب بعد فترة تصل إلى الستة عشر عاماً في قيادة الجماعة، يفتح الباب لكثير من التساؤلات حول إمكانية الشيخ «جاويش» الذي نشط خلال المرحلة الماضية في إدارة العديد من الملفات الحساسة على المستويين السياسي والفكري، في اختراف جدار الحواجز السياسية الذي يمكن أن تضع الجماعة من خلاله أرجلها في ممرات قد تقودها إلى تحقيق دور بارز على الصعيدين المحلي والإقليمي لا سيما بعد علو كعبها في الجارة مصر.