ديك دجاجتنا ما إن نقر البيضة وأطل برأسه وهمّ بالصياح.. حتى أشهر أبوه الديك الكبير السمين والوقور منقاره ونقره من حنجرته!. لم يمُت الديك الصغير كما أنه لم يخرس كليًا، من حنجرته المنقورة صار يخرج لهاثه صفيرًا عذبًا يشبه غناء العصافير.. لذلك صادقته العصافير، كانت تتقافز حوله وما إن تلمح الديك الكبير حتى تطير هلعة إلى الأغصان ومن هناك كانت تطلق لحنًا محرضًا تدعو الديك الصغير إليها.. يفرد الديك الصغير جناحيه ويصفق بهما، ما إن يرتفع قليلاً عن الأرض، حتى يهبط إليها ثانية، كرر المحاولة أكثر من مرة، دب الخدر في جناحيه وأجهدته محاولة الطيران!.. أمه الدجاجة كانت تراقبه بحزن، وينفرط قلبها ألمًا على ديكها الصغير المنقور الحنجرة، الذي يغني كالعصافير ولكنه لا يستطيع أن يطير مثلها.. رجته أن يقتنع بأنه ديك وإن كان ينتسب إلى عالم الطيور وهو محكوم بجيناته الدجاجية الأرضية التي تمنعه من الطيران، ونصحته أن يكف عن تقليد العصافير.. لم يقتنع الديك الصغير بكلام أمه؛ لأن الكبار يخشون الطيران لذلك ينصحون الديكة الصغار بأن يقتنعوا بأنهم ديكة وليسوا عصافير.. كان ينتظر نوم أمه وأبيه وذويه الذين كانوا يؤون إلى الخن في غروب الشمس، لينطلق إلى البستان القريب المكتظة أشجاره بأعشاش العصافير النائمة وكان يصغي السمع إلى الصوصنة الهامسة التي كانت تتسرَّب منها بين حين وآخر تطربه وتدغدغ جناحيه فيفردهما ويصفق مبتهجًا ولكنهما يخذلانه كما في المرات السابقة.. ولم ييأس الديك الصغير ولم تخطر على باله أبدًا فكرة أنه لا يستطيع الطيران، بل كان متأكدًا أن محاولته في الطيران ستنجح في يوم ما.. وفي بكور أحد الأيام وقبل شروق الشمس نهضت الديكة وبدأت بالصياح.. أطل الصباح بأهدابه الرطبة التي غطت جسد العصفور الصغير الساكن النائم تحت شجرة وارفة العصافير.. كان منقاره مفتوحًا على حشرجة شدو مديد الطيران. 2 ضياع! كان العرب يحتفلون بولادة طفل وفرس وولادة شاعر. عندما غادر رحم أمه الدافىء كان يبكي لعلع الرصاص ورقصت الأرض وبحت الحناجر من الزغاريد.. ألبسوه اسم جده وثياب من سبقوه من الإخوة.. لما كبر صار يشبه المهرج يمشي إلى الخلف ويتعثر بخياله.. أخذوه إلى الطبيب الذي أخذه العجب من أقدامه المفلطحة التي تشبه خفي الجمل ونصحهم أن يفصلوا له حذاء جديدًا ولما انتعله صار يمشي إلى الأمام ورأسه إلى الخلف لذلك لم يعرف كيف يحدد طريقه إذ كل خطوة إلى الأمام تعقبها سقطة.