أربأ بحال البعض ممن يكتبون لأجل النقد أو الكتابة في حد ذاتها كفعل يعلق عليه الآخرون دون هدفٍ أو رسالة، لقد قرأت خلال الأيام الماضية كتابات عديدة ناقدة وناقمة لمجرد أن تحدث أهل كردفان في «الفولة» و«النهود» يطالبون بولايتين منفصلتين وكل طلب تسنده مبرراته الموضوعية التي هي محل حوار ومعايرة لحسم الأمر ما إذا كانوا يستحقون أم غير ذلك، والأمر في هذا الوضع متروك للمرجعية ومصادر القرار في رئاسة الجمهورية.. المؤسف أن بعض الزملاء من الذين كتبوا وهم أقلام نحترمها وشخصيات نقدرها لكن بكل أسف منهم من تناول الموضوع من خلال كرسيه، ورؤية الصحفي الجالس بدون تدقيق واستقصاء الحقيقة، وآخر تناوله بعيون سوداني مهاجر غارق في الترف وهو يكتب بروح ونفس الصحفي الهاوي وليس المحترف لأن المنطق والمهنية تحتم على الصحفي أن يشاهد ويستوثق قبل أن يكتب حتى لا يقع في المحظور ويصبح كحال أحد الزملاء ظل كثيراً ما يكتب عن كردفان والأبيض دون أن يقف على أي حقيقة ولم يزر كردفان يوماً.. «قاعد في الأبيض وما عارف ود أبو صفية»!! إن المشكلات التنموية والدستورية التي ظلت ترتبط بإنسان السودان تختلف من مكان لآخر وباختلاف البيئات والحاجات متنوعة، وليس كل من يطالب بحق في السلطة أو الثروة هو يريد الاستيزار والتكسب من خلف الكرسي الوثير من يقول بذلك من قبيلة الصحافة ويطلق حديثه على العموم أعتقد أنه قد ظلم البعض.. أخي أحمد المصطفى إبراهيم صاحب الاستفهامات اليومية لقد جنحت وتجنيت على «النهود» بلا منطق، وتجدني أتفق معك في أن الترهل المركزي غير مرغوب فيه البتة ورأيي أن تكون الدولة عريضة في الأطراف وضيقة كلما صعدت نحو القمة، لكن النهود هي مساحة جغرافية واسعة «أخي ود المصطفى» تبدأ من وادي هور وتنتهي عند الفولة بطول «1200» كلم متر، كل هذه المساحة بقبائلها ومراحيلها الأمن فيها طبيعي والمجتمع هو الذي يحفظ الأمن بسلوكه وانضباطه وبعده عن المخالفات، وهذه الرقعة الجغرافية لأهميتها قد تعدى عليها المتمردون مرات كثيرة لكنهم عادوا منكسرين ولم يستجب لهم المواطن يوماً رغم النداءات الكذوب، وبرغم القتل والدمار لم ينزح أحد ولم يطالب بتعويض، سؤال: هذه المساحة الشاسعة إذا أرادت الحكومة تأمينها كاملة كم يقدر حجم الجيوش والآليات والمنصرفات مقابل ذلك..؟؟! هذا الدور يقوم به المواطن البسيط بوطنيته العالية، ومع ذلك يتجنى عليه البعض بسذاجة ويصفه بالجهوية!! ثم لماذا وصفت المطالبة بولاية «النهود» بأنها جهوية وعنصرية دون غيرها، الرد «لشيء في نفس يعقوب» ونحن ندرك ذلك!!. البعض بكتابات طائشة يحاول إفساد رياح الإصلاح التي انتهجتها الحكومة في تطبيق الفدرالية بإظهار بعض العنصريات وإلا فليأتِ أحدهم برأي موضوعي مقنع يحرم منطقة النهود من أن تمنح ولاية، دعونا من حشو الحديث وفي ذلك لم نُلزم الآخرين برأي لكن بالمقابل ليس من له الحق في أن يصادر حقوقنا ببعده عن المصداقية وعدم مراعاة الشفافية والموضوعية. أسلوب التريقة والهظار غير مقنع وهو نوع من تبخيس أشياء الناس ومحاولة لإثنائهم عن إرادتهم وحقوقهم والتعبير عنها، القصة يا «ود المصطفى» ليست ترضيات، هي حقوق ونحن نعلم أين كانت الترضيات ونعرف المتاح والمخبوء منها!!. وجود ولاية في «النهود» يوسع دائرة الرضا الشعبي ويرفع حماسته في الممارسة السياسية السلمية والرشد الذي تنشدون.. هذه مطالب تنموية وخدمية مشروعة وليست ترضية وأن مبدأ الحكم الفدرالي قائم على أن سلطة التفويض في قسمة الموارد تتم وفق مواعين، والولاية أهم «ماعون» بصرف النظر عن كم وزرائها لأن الولاية يمكن أن تدار بأربعة أو خمسة وزراء؟!. أقول للأخ أحمد المصطفى كم يبلغ موظفو محلية شيكان وفصلهم الأول؟!! مقارنة بهياكل المحليات الست المفترى عليها. عائدات مواردها الزراعية والحيوانية كافية لتغذية موازنتها وتفيض على الجيران، النهود فيها معادن وبترول وتتمتع بتكامل بيئي متفرد في الزراعة والرعي ومساحتها «114.000» كلم أي نصف مساحة دولة بريطانيا، وجعلها ولاية يحقق المرونة في عملية اتخاذ القرار وتسهيل عملية التنسيق بين الولاية والمركز رأسياً وأفقياً، وفوق كل هذا تحقيق الأمن القومي.. ولاية النهود أهميتها أمنية إستراتيجية إذ إنه لا يوجد مركز لاتخاذ القرار السريع إلا في مدينة الأبيض أو الفاشر في شمال دارفور ونيالا، وهذه كلها بعيدة جداً عن هذه المنطقة التي تعتبر خط تماس فاصل وحدودي مع مناطق دارفور الملتهبة، وأن المنطقة منتصف السودان وملتقى طرق وتتمتع بنسيج اجتماعي متعايش ومنسجم يضم كل القبائل غير حمر أذكر منهم «بني فضل المناصره الجوامعة الجعليين الشايقية الدناقلة البديرية المسيرية الأنقسنا التاما الميدوب الفلاتة المراريت الميمة الكاجا التنجر الزغاوة الفور البري البرقد المعاليا العركيين البرياب الكبابيش الكواهلة الزيادية النوبة القرعان» وقائمة لا يسعها «الخوي النهود ود بندا غبيش الأضية»، ثم أردف بسؤال آخر: كم تساوي إيرادات محلية شيكان مقارنة بالمحليات الست آنفة الذكر؟؟! إذا عرفت هذه النسب والمفارقات ستجد أن أنسب أسلوب أن توضع المحليات والحكومات المحلية أمام تحدٍ حتى تبحث لنفسها عن إيرادات بدلاً من الاتكاء على ظهر المحليات الغنية التي تموت عطشاً والماء على ظهرها محمول!!. النظم الإدارية والدستورية قد حددت معايير لإنشاء الولايات تتمثل في المعيار «السكاني الاجتماعي الاقتصادي الإداري الأمني والإستراتيجي الجغرافي» متى ما تطابقت هذه المعايير فإن المنطقة تستحق ولاية وليس الأمر مجرد إنشاء ولاية في كردفان، يتطلب الأمر إنشاء ولاية في المناقل أو البطانة أو الفشقة أو درديب، أو تلك القرى التي ذكرها «ود المصطفى» بتريقة وطالب بإعطائها ولايات، هي تستحق إذا انطبق عليها المعيار، النهود تسهم ب «60%» من صادر الضأن بالسودان «الضأن الحمري»، و«52%» من إنتاج الصمغ العربي بالسودان، وتعتبر الثانية في إنتاج الفول السوداني بعد ولاية الجزيرة، هذا بجانب حب البطيخ والدخن والذرة والكركدي والسمسم بالإضافة إلى قطعان مهولة من الإبل والأبقار والماعز، «النهود» ليست «قرية» كما يتندر البعض هي أم الثقافة في السودان إذ أنشئ فيها أول نادٍ ثقافي اجتماعي بالسودان وهو «نادي السلام» 1917م.. وهي رد عملي لدعاوى العنصرية أو الجهوية، وهؤلاء متصاهرون ومتعايشون منذ التاريخ بل لديهم عموديات وشراتي وليس هناك تمايز بين كل هذه العناصر السودانية الأصيلة.. وأخيراً أقول ولاية بهذا التنوع والخصوصية لماذا لا تؤدي إلى تقصير الظل الإداري وتقديم الخدمات؟؟ ما يصدر عن البعض بتلك الرؤية القاصرة ربما يخلق تشويشاً لمتخذ القرار ويثنيه عن المسار السليم وربما تتيح فرصة لفتح ثغرة كان بمقدور الجميع سدها بسهولة ويسر، إنني أدعو الجميع للمشاهدة مرة أخرى لتحديد المطلوب بالضبط وبعقل مفتوح دون حديث العاطفة والتعاطف!!.