أهل السودان الشمالي مشهورون جداً بالبذخ والصرف غير المرشد.. وهذا بالطبع ما يجعل الحكومة «غلبانة» جداً مع ناسها لتوفير احتياجاتهم الأساسية خاصة السكر والدقيق والعدس «والذي منو»، فشاعرهم يقول وهو يصف الترف والبذخ بتاع ناسنا «تلاتة أرادب غداء.. ثلاثة أرادب عشاء.. للمساكين طبق الكسا.. تلاتة قدور سرتية.. تلاتة قدور محلبية ونسيبتو قالت شوية وحرمان ما بدخلن عليّ». وهذا البذخ الشمالي يقابله بذخ جنوبي من نوع آخر.. وعلى الرغم من أن معظم الجنوبيين في حياتهم العادية وثقافتهم «مقّترون» جداً للدرجة التي يمشون فيها «من غير هدوم»، إلا أنهم يتابرون في الأكثار من البنين والبنات ومعظمهم يحبون الزيادة من البنات لأنهن يجلبن «البقر» عند اكتمال إجراءات الزواج التي يشكل قطيع البقر فيها حجر الزاوية والأساس لاستكمال الإجراءات.. فالجنوبي لكي يتزوج لا بد أن يدفع قدراً من البقر يعادل قدر البنت والقبيلة التي يتزوج منها.. وقد ورد في الصحف عن أحد كبارهم أنه دفع أكثر من ثلاثمئة وخمسين بقرة مهراً لزوجته الثانية أو الثالثة، وتحدثت عنه القنوات الفضائية لأيام عديدة في وقتها. على كل حالٍ فإن الجنوبيين يحبون الإكثار من البنين لأغراض الحروب والبنات لجمع البقر والثروة، ولا يحبون أن تتفتت الثروة بين القبائل، بل يتم تركيزها داخل الأسرة.. وإذا توفي الرجل فإن أباه أو أخوه يرث من بعده البقر ويرث كذلك الزوجات.. وأكثر من ذلك فإن الوارث الجديد يلد أبناءً باسم المتوفي.. ولهذا فإن عدد الجنوبيين يزداد بمتوالية هندسية، والموتى منهم يستمرون في الولادة والإنجاب، بينما ينقص عدد الشماليين في كل الولايات بمتوالية عددية، ولا تستطيع برامج الزواج الجماعي أن توازي آلية التزاوج بالإنابة والأصالة عند القبائل الجنوبية.. حيث يتزوج الواحد خمسين زوجة، ولهذا فإن الجنوبيين يقولون إن عددهم ثمانية ملايين في نتيجة الاستفتاء وإنهم مات منهم في الحرب ثمانية ملايين برضو، وأنهم بقي منهم ثمانية ملايين ليؤسسوا دولة الجنوب بعد انفصالها، وأن عدد الدينكا ثمانية ملايين، وإن عدد منسوبي الحركة الشعبية ثمانية ملايين برضو، وأن دينكا نقوك «بس» ثمانية ملايين، ولأن «ناسنا» قد يقولون إن دينكا «نقوك» سودانيون، فهذا يعني أننا أمام مشكلة يمكن أن تأتينا بثمانية ملايين جنوبي جديد لنج.. وعلى كل حالٍ إذا كنا عاقلين بما فيه الكفاية فيجب أن نحذر من حكاية دينكا نقوك التي سوف لن تقف عند ثمانية ملايين، بل ربما يصل العدد إلى ثمانين مليوناً عندما يضاف إليهم دينكا نقوك بتاعين إفريقيا الوسطى ودينكا نقوك بتاعين كينيا ودينكا نقوك بتاعين الكنغو ودينكا نقوك بتاعين جنوب افريقيا ودينكا نقوك بتاعين جوبا ويامبيو. وبهذه المناسبة كان لدينا عامل جنوبي يحتفل ثلاث مرات كل عام بمناسبة ولادة طفل جديد، وقد فعل ذلك في ستة أعوام.. يعني ولد له ثمانية عشر طفلاً، وهو قاعد معنا وجالس بيننا في الخرطوم ولم يتحرك منها.. وعندما نسأله عن الموضوع يقول إن أخاه ينوب عنه في هذا الأمر هناك.. وقصة الأسرة الجنوبية التي حاولت تهريب الولد الشمالي إلى الجنوب يمكن قراءتها في إطار أن الناس ديل من الناحية الثقافية مسكونون بزيادة الأولاد، لأنهم دائماً في حالة حروب تحتاج إلى الأولاد لإدخالهم في محرقة الحرب ضد الشمال أو ضد بعضهم البعض.