إنتصار ثورة 52/يناير المصرية، أماط اللثام عن حقيقة أن نظام الرئيس حسني مبارك خلال ثلاثين عاماً، كان غير راغب في تطوير العلاقات المصرية السودانية. الرئيس مبارك خلال ثلاثين عاماً كان يضع ملف العلاقات المصرية السودانية في سلّة المهملات. حيث قام نظام الرئيس المخلوع بتعطيل وتجميد عشرات المشروعات والإتفاقيات التي تؤسِّس لنقلة نوعية في علاقات البلدين. فمؤسسات التكامل المصري السوداني، منذ عهد الرئيسين السادات ونميري، ظلت حبراً على ورق. التكامل الزراعي لم يمشِ الخطوة الأولى في مشوار الألف ميل. مشروعات النقل النهري في حالة تجميد. في القرن التاسع عشر كانت الملاحة النهرية سلسة بين البلدين. كانت المراكب بحمولتها من المسافرين والصادرات تغادر من (أبوحراز) في ولاية الجزيرة إلى الهلالية وغيرها من المحطات النهرية حتى تصل (أسوان) في جنوب مصر. ثم تأتي تلك المراكب بالعكس في رحلة العودة تنقل كذلك الركاب والبضائع. نظام الرئيس مبارك خلال ثلاثين عاماً كان غير راغب في تطوير العلاقات المصرية السودانية. حيث لم يشهد الخط الملاحي بين أسوان ووادي حلفا أي تطوير، ولم يصبح إضافة إلى رصيد التكامل بين البلدين. أيضاً صدر قانون تمليك المصريين للأراضي الزراعية. ولكن لا زراعة ولا حصاد ولا خبرات مصرية لتأهيل الإنطلاقة الزراعية المشتركة بين مصر والسودان. كما ماتت مشروعات زراعة الأرز في ولاية النيل الأبيض. في حقبة الرئيس مبارك التي امتدت ثلاثين عاماً، تمّ بصورة نهجية عرقلة إتفاقية زيادة صادر اللحوم السودانية إلى مصر. شركة (وادي) لإنتاج الأمصال واللقاحات في السودان مازالت غائبة، حتى غروب شمس الرئيس مبارك. القائمة تطول بفشل وتعطيل وتجميد برامج التكامل الطموح بين مصر والسودان، في الزراعة والصناعة والتجارة والإستثمار والتعليم والصحة. حيث حفلت حقبة الرئيس مبارك خلال ثلاثين عاماً بإهمال متعمّد لتطوير علاقات التكامل الإقتصادي وتنمية الشراكة المصرية السودانية. لذلك ما يزال السؤال الإجباري في امتحان العلاقات المصرية السودانية معلّقاً في القاهرة، سؤال متى يتم وفق قيد زمني تحقيق برنامج التكامل الإقتصادي المصري السوداني؟. بعد كم عام؟. وحتى متى يسير التكامل بين البلدين بتلك الوتيرة الممعنة في البطء. في عالم التكتلات الإقتصادية الأوربية والدولية والإقليمية، متى يتمّ تطوير الشراكة الإقتصادية بين مصر والسودان، لتصبح أنموذجاً إقليمياً عربياً أفريقياً؟. طوال عهد الرئيس مبارك الثلاثيني، كان السودان يرى تلك الشراكة قريبة، بينما ظل الرئيس مبارك طوال ثلاثين عاماً يراها بعيدة. وهناك سؤال متى يتحقق السَّهل الممتنع، أي إنجاز التكامل الزراعي المصري السوداني، ليتمّ على الأرض تحقيق الأمن الغذائي في مصر والسودان، ثم من بعد تحقيق الأمن الغذائي العربي والأفريقي. ذلك السؤال عن ذلك السهل الممتنع، تطرحه مياه النيل وأراضي السودان وخبرات مصر. أيضاً هناك عدد من الأسئلة المحرجة في علاقات مصر والسودان، مثل كم يأتي ترتيب مصر في قائمة شركاء السودان التجاريين؟ وكم يأتي ترتيب السودان في قائمة شركاء مصر التجاريين؟. من بلايين الدولارات من الإستثمارات الأجنبية في السودان، كم تبلغ نسبة الأموال المصرية؟. حيث تفتقد علاقات البلدين إلى خطة لمضاعفة حجم التبادل التجاري وإحداث نقلة نوعية في التعاون الإستثماري. إنجاز كل ذلك يُعتبر زهرة صغيرة في بستان التكامل بين البلدين، إذا ما تمَّت مقارنته بتجربة وحدة دول الإتحاد الأوربيّ، على سبيل المثال، حيث تمّ توحيد العملة وأُرسيت قواعد الإتحاد الإقتصادية والسياسية والأمنية، بمثابرة وحنكة وتدرُّج، وفق خارطة طريق واضحة. بعد انتصار ثورة 52/يناير وانتخاب رئيس جديد لمصر، آن للعلاقات المصرية السودانية أن تنطلق إلى فضاءات جديدة. فقد كان الرئيس مبارك أقل الرؤساء المصريين دراية بالسودان، مقارنة مع الرؤساء محمد نجيب وعبد الناصر والسّادات، الذين عاشوا وعملوا في السودان أو تجري في شرايينهم دماء سودانية. الرئيس مبارك ليس لديه معرفة كافية بالسودان، حتى عن طريق القراءة. وقد اشتهر عنه عدم حب القراءة عن السودان أو غيره. لذلك أصبحت علاقات مصر بالسودان في عهد مبارك لثلاثين عاماً، لا هى حيّة ولا هى ميتة. حيث اقتصر الرئيس مبارك على التعامل (العدائي) مع السودان باعتباره ملف أمني لا غير. ما تزال حتى الآن تلك العلاقات الثنائية الواعدة معلَّقة في (المنزلة بين المنزلتين). بالأفعال لا بالأقوال، بالمصالح المشتركة لا بالبلاغة المنبرية، هل يطلق الرئيس المصري القادم سراح علاقات البلدين، لتخرج من المعتقل الذي وضعها فيه الرئيس مبارك، فتتبوَّأ مكانها كمحور إقتصادي إقليمي جديد، بمعادلة جديدة ورقم لا يمكن تجاوزه في وادي النيل والمنطقة العربية والأفريقية. سكان مصر (09) مليون نسمة، سكان السودان (23) مليون نسمة. ذلك التجمع البشري من مائة وعشرين مليون، في انتظار ما يكشف عنه برنامج الرئيس المصري القادم لتطوير علاقات ومصالح الشعبين.