وضع مصطلح «الدولة المدنية» في مقابل «الدولة الإسلامية» قصد به العلمانيون تقديم صورة شائهة تلصق بالدولة التي يراد لها أن تحكم بشرع الله وقد حوصر المصطلح بمعانٍ سلبية كثيرة وكأنهم يقصدون تخويف الناس من أن الدولة ذات المرجعية الإسلامية دولة تحكم باسم الله ومفوضة عن الله حسب زعم الحاكم أنه يحكم بالحق الإلهي المطلق، وهو أمر يتنافى مع ما جاء به القرآن ووضحته السنة النبوية في أن الدولة المسلمة لا تسند فيها السلطة إلى فئة من الناس أو طائفة بسبب إرث تاريخي أو غير ذلك، وأن لا قداسةَ للحاكم مهما كان، وأن حرية الرأي أساس الشورى والحكم. يقول الدكتور «رفيق حبيب» :«مصطلح الدولة الدينية تمت صياغته لإخافة الناس من الحركة الإسلامية رغم أن التعبير باللغة العربية لا يعني سوى الدولة التي تستند لمرجعية الدين، في مقابل الدولة غير الدينية التي لا تستند لمرجعية الدين». الدولة الإسلامية ذات المرجعية الإسلامية تعني أن النصوص الدينية في الإسلام مفتوحة على مقولات كثيرة مع أهمية التفريق بين النص الديني والتدين الذي هو خاضع للاجتهاد حيث تختلف الأحكام باختلاف المجتهدين، أما المرجعية الإسلامية فهي صادرة من مبدأ الاعتراف بالذات والاعتراف بالغير والمعايشة والعلنية. وكما يقول الدكتور «أحمد الأبيض»: لابد من «التحديث والتجديد في ظل تراث الأمة وحضارتها، والعودة إلى منطق الاستخلاف بمعنى أن الشعب هو مصدر السلطات بما يحتم عليه القيام بواجب الشهادة بمقتضياتها الأربعة: الحضور، العلم ، الرقابة، امتلاك الشهادة لأداء هذه الشهادة». يقول الشيخ القرضاوي:« الدولة الإسلامية كما جاء بها الإسلام وكما عرفها تاريخ المسلمين دولة مدنية تقوم السلطة فيها على البيعة والاختيار والشورى، والحاكم فيها وكيل عن الأمة وأجير لها، ومن حق الأمة ممثلة في أهل الحل والعقد أن تراقبه وتحاسبه، وتأمره وتنهاه، وتقومه إن اعوج وإلا عزلته». فالدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية هي دولة القانون والمؤسسات، الناس فيها متساوون في الحقوق والواجبات، العدالة فيها أساس الحكم والشورى وسيلة الحكم والأمة مصدر السلطات، والأقليات الدينية لها حقوقها المصانة بالقسط والعدل دون تمييز «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين». الدكتور «السنهوري» يقول: «إن علماء المسلمين وصلوا إلى نظرية العقد الاجتماعي قبل أوربا بقرون» ويقول:« الإمام يعتبر نائباً عن الأمة في إدارة شؤون الدولة، ويستمد سلطاته منها؛ إذ أن الأمة مصدر السلطات وصاحبة الإرادة العليا في كل ما يتعلق بأمور الدولة»، فالدولة المدنية تعتمد في وجودها على عقد اجتماعي مبني على أساس المواطنة، وتفويض من يمارسون السلطة في مستوياتها الثلاث فهي ليست دولة عسكرية وليست دولة دينية «ثيوقراطية» تستمد وجودها من حق إلهي مقدس للمؤسسة الدينية كما حدث في أوربا، وأراد البعض لصقه بالدولة الإسلامية. مصطلح الدولة الدينية فرضه العلمانيون على الإسلاميين الذين تفرض عليهم المصطلحات وبدلاً من أن يتبرأوا منها نجدهم يبذلون جهدهم في الدفاع عنه مع أن دول العالم كله إما مدنية أو عسكرية، وكل دولة لها مرجعيتها الدينية كبعض الدول الأوربية أو الدولة اليهودية التي تفاخر وتباهي بمرجعيتها التوراتية التي تعمق العنصرية التي لا يستنكرها حتى العلمانيون الذين لم يستطيعوا حتى يومنا هذا من تعريف مفهوم الدولة المدنية كما أن الفكر الشيوعي الماركسي كان المرجعية العقدية للاتحاد السوفيتي والدول التابعة لها قبل انهيار الفكر الشيوعي بسقوط النظرية. الاستبداد الديني الكنسي في القرون المظلمة في أوربا هو الذي عمّق الخوف والرعب من الدين الذي استغل في استعباد الناس وتجريدهم من أبسط حقوقهم مع أن التاريخ الإسلامي لا يذكر أن المسلمين قد انقلبوا على عقيدتهم ودينهم وعلمائهم كما فعل المسيحيون في بلاد الغرب. وما لنا ننسى أن أنظمة الحكم العلماني فرضت على الناس في عدد من البلاد العربية وبخاصة «تونس» والجزائر وقبلهما «تركيا أتاتورك» التي منع الناس فيها من ممارسة شعائرهم الدينية وحقوقهم السياسية ولِمَ كانت الثورات في ليبيا ومصر وسوريا؟ الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية هي التي تعبِّر عن المجتمع معتمدة على دينه وتراثه وثقافته، تعبيرًا يهدف إلى إصلاح المجتمع وفق منهج سياسي سلمي، وببرامج واقعية ورؤى عملية، مع قبول الديمقراطية وسيلة معاصرة، وآلية تضمن تطبيق مبدأ الشورى وأهمية مشاركة الآخرين كالشراكة مع العلمانيين في تونس واللقاء المشترك في اليمن، فهي دولة لا تعرف الدولة الدينية «الثيوقراطية» التي أبعدت الغرب المسيحي عن الدين، الأمة فيها مصدر السلطات، والحقوق فيها معروفة، والأقليات فيها من أهل دار الإسلام لأنهم جزء من الدولة ومكوناتها، يشكلون مع إخوانهم الوحدة الاجتماعية كما يقول معظم الفقهاء.