يسطِّرها: التجاني أحمد شداد لم تسعنا ولن تسعنا هذه الإصدارة لإكمال ما بدأنا الحديث عنه حول عبقرية تلك المرأة المجاهدة حاجة محمد الفكي والدة الشهيد حاتم المأمون، تلك السيدة النادرة التي لم نجد بعد رحيها إلا كلمات الشاعر: رحل الصباح.. وتفجرت شمس الجراح.. هي ذات العبارات الشجية التي هاتفنا بها بعضنا عندما تلقينا نبأ الرحيل المُر بل قل الرحيل الهادئ، فقد رحلت رحمها الله في هدوء تام وكأنها نالت ما تريد، فقد عجل حبها لله برحيلها والجميع في أشد الحاجة لها.. ولكنها مشيئة الله والحمد الله على الأخذ والعطاء. سادتي لسنا في مقام رثاء وذكر مناقب بل أردنا أن نشهد للفقيدة من على صفحات «الإنتباهة» ونوثق لمحات لسيرة عطرة فاح عنبرها في كل ربوع السودان كما أننا أردنا بكل تواضع أن نخبر هذا الجيل والأجيال القادمة أن رحم هذه الأرض الطيبة قادر على إنجاب العظماء نساء كانوا أم رجالاً وكما يقول أهل العلم إن مناط تكريم الله للخلق وتفضيله على العالمين إنما يكون بالعقل والتكليف والقدرة على التأثير والعطاء وهذه ما تميزت به الراحلة المجاهدة التي نذرت حياتها لله رب العالمين. بعد هذه الرحلة الطويلة من العطاء والمثابرة شعرت حاجة بشيء من الإرهاق فلم يحتمل من حولها أي مكروه لأم الكل لتحجز بمستشفى عاصمي ويبادر صديقنا الخلوق صديق الوادي بزيارتها ليجد وجهها نضرًا وابتسامتها الصابرة التي رآها من قبل كثيراً وكآنما تنظر لصديقهم «حاتم» والذي ظلت روحه الطاهرة ترفرف على جنبات أمه التي أحبها وأحبته وأحب مقامها وأحبت مقامه فاسترجع بذاكرته كلمات ابن كردفان عندما وصف تلك الحظات الأخيرة وملك الموت يتبادل الحديث مع فقيدته وقال: إجيها اتبن في عنقريبها ويشيل من ريقو ويريق فيها ريوق محبوب لحبيب ويداعب فيها .. داير يشيل منها الدنيا .. شن بدوري وشن المنية وفتحت عينها متل القمر الحايمة حدابو سحابة ونضمت خشيمها البهمس والربابة قالتو عافية ورضيانة عليك شلني الله خليك وديني للحبان الفاهم وما قدرت والله الشاهد العالم كل الزمن الفات أنا أبقى بلاهم ابنها الصادق اتصل مهاتفاً بعبرة :«إنا لله وإنا إليه راجعون» توفيت حاجة.. لا حول ولا قوة إلا بالله. ذاع الخبر وعم القرى والوديان وتجمع الأحباب وكلٌّ يعزي أخاه فرتبنا كيفية التحرك لولاية نهر النيل لم يتغيب أحد فترافقت معنا والدة الشهيدين حواء آدم فضل المولى، وعلى مدار ثلاث ساعات لم تتوقف السيارة خلالها قط إلا بالحديث عند تلك المحطات المشرقة التي تناولت حياة الشهيد الحي ووالدته التي لم تمت ولن تموت. دخلنا منطقة شقالوة فجاة ودون سابق إنذار وكل منا يشعر باليتم فالراحلة هي أم للجميع والناظر لموكبنا قد تتداخل عنده التفسيرات والتأويلات والتساؤلات، من هؤلاء؟! ومن أين أتو؟! وكيف اجتمعوا؟! نقول لهم إنها رحاب سيدة فضلى من بلادي أنجبت هذه الكوكبة الطيبة من أبناء بلادي وجمعتهم من أصقاع السودان البعيد. رحمك الله أيا أمنا ولنا أن نتذكر ما ختم به الشهيد العيدروس وصيته لأمه عندما توجه لله تعالى فقال: أمي الحبيبة من لا يكون همه عفو والديه لا يستحق رضاء الله تعالى وأعوذ بالله من سخطه وأعلم أني سأفوز بعفوك إن شاء الله والعفو من أبي وجميع الأهل والإكثار من الدعاء والسلام عليكم. رحمك الله وأسكنك فسيح الجنات مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.