يرتب أحباب وزملاء ومعارف الفقيد الحبيب الشهيد عبد الحي الربيع، لإقامة تأبين نوعي يعبرون خلاله عن مشاعرهم الأليمة لمصابهم الكبير، وكل منهم يحمل قصة وتفاصيل تحكي عن عظمة الرجل المتعدِّد الجوانب والمواهب، وإذا نظرت لهؤلاء فإنك تعجب كيف اجتمع هؤلاء؟ ما الذي يجمعهم؟ وماهي علاقتهم بعضهم ببعض؟ وستجد الإجابة أنها عبقرية (الربيع) في إيجاد علاقات متعددة ومتسامحة وعميقة مع كل من يعرفه، ولسان حالهم يردد: يا كَبيرَ الفُؤادِ وَالنَفسِ وَالآمالِ أَينَ اِعتَزَمتَ عَنّا الذَهابا، كَيفَ نَنسى مَواقِف لَكَ فينا، كُنتَ فيها المَهيبَ لا الهَيّابا، كُنتَ في مَيعَةِ الشَبابِ حُساماً، زادَ صَقلاً فِرِندُهُ حينَ شابا لم يُنازِلكَ قارِحُ القَومِ إِلّا كُنتَ أَقوى يَداً وَأَعلى جَنابا. لذلك، إخوة وأحباب وزملاء الفقيد، أمامنا مهمة صعبة. فالرجل لا تحتويه ليلة نعدِّد فيها المآثر والكلمات المنمّقة نطلقها في الهواء، وندونها على صفحات الصحف، وتطربنا كلمة الأستاذ الصادق الرزيقي، صديق عمره ورفيق دربه، الذي قال عنه: (عبد الحي الربيع عاش للآخرين). نعم عاش للآخرين، لأنه مميز في كل شيء، فقد رحل ولم يترك لنا إلا التأسي والتآسي بكلمات الشاعر حافظ إبراهيم: قد أسكت الصوت الذي كان عاليا ومات الذي أحيا الشعور وساقه إلى المجد فاستحيا النفوس البواليا وكنا نياماً حينما كنت ساهدًا فأسهدتنا حزناً وأمسيت غافيا شهيد العلا، ما زال صوتك بيننا يرن كما قد كان بالأمس داويا مطعم عبد الحي الربيع (مطعم عبد الحي الربيع) اسم أطلقه صديقنا الودود الصحافي حاتم حسن أحمد، عندما اتصل الراحل عبد الحي الربيع بصاحب مطعم شهير بمنطقة القطينة، وصاحبه من المشاهير ويُدعى عباس، وهو رجل كريم ومضياف يخدم الناس بيده، ويبذل قصارى جهده لراحة ضيوفه كأنما هم في داره. فطلب منه الراحل عبد الحي إعداد وجبة الغداء، حيث كنا ضمن وفد إعلامي في طريقنا لولاية شمال كردفان، وعند وصولنا، وعلى شرف هذا الاتصال، تم إكرامنا على غير العادة، وكنا أحياناً نسترق السمع لحديث عباس وعبد الحي، فنجد علاقة حميمة بين الرجلين اللذين لا يجمع بينهما رحم ولا علاقة عمل، وإنما تعارفا في ذات المكان، واستمرت محبتهما لبعض، سنوات طوالا، فهذا هو عبد الحي الربيع بسجيته السمحة وأخلاقه الرفيعة ومقدرته الفائقة على إيجاد مثل هذه العلاقات الصادقة مع كل من يعرفه، وبمقدوره أن يمنح كل هؤلاء خصوصية تجعل منه محور اهتمام بالغ عند عبد الحي. فاتفقنا على اسم (مطعم عبد الحي الربيع)، وصرنا نجعل منه محطة، وإن لم يك الفقيد بيننا.. لا أشك أن هناك آلافاً ممن يعرفهم عبد الحي على طريقة عباس، ومنهم من هو على قمة الدولة، ومنهم من هو في الشارع العام يبحث عن قوت يومه بين عذابات العواصم. فالأداء الإعلامي المميَّز للفقيد، ومعرفته العميقة بكل تفاصيل البلاد وسحناتها، أكسبته نجومية الشاشة واحتلال القلوب. أفق قبل الأخير: أكمل عبد الحي الربيع بناء منزله، وأكبر ما شيده فيه هو (صالون) قال عنه إنه أهم بقعة في هذه الدار، ولكن كانت يد المنون إلى دار أخرى أكثر رحابة وسعة وخلودًا.. رحمك الله أخي وحبيبي عبد الحي الربيع، بقدر عطائك وحبك للآخرين، وأنزلك منازل الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً. أفق أخير: عبد الحي الربيع.. تلفزيون السودان.. شهداء تلودي .. الفردوس الأعلى بإذن الله.