وامتدت الهجرة منذ التسعينيات هاجر خيرة شباب الوطن ومعهم عقول وخبرات، يعتصر القلب وجعاً لفراقهم تراب هذا البلد الحبيب الذي كان في أمسّ الحاجة إليهم، فازدهرت مطارات العالم بهؤلاء السمر المغلوب على أمرهم، مكسورو الخاطر وهم يتلفتون وينظرون إلى موطنهم الافتراضي الجديد بعينٍ دامعة وقلبٍ ينزف، وهم الشريحة الأهم والأقوى والأكثر تأثيراً في المجتمع، وإن جوهر ما تصبو إليه كل دول العالم هو الاعتماد على الشباب في بناء المجتمع وتطويره من خلال النشاط والفكر والثقافة التي يمتلكها شبابها، لكي يكون لهم الدور الحيوي في إعادة الحياة، وبناء الوطن، وخاصة بعد التراجع المخيف الذي أصاب كل مؤسساته، وإن كان لا بد للهجرة يجب عليهم أن يتخلصوا أولاً من سلبيات المهاجر السوداني الذي لا يمتلك أدوات كيف يدير فلسفة غربته، فهجرتنا مطاطية، خالية من وضع الأهداف والتخطيط والسير عليها لتحقيقها وهذا ما جعل أغلبهم يأتون إلى الوطن في شكل توابيت تدخل البيوت ثكلى.. أو انتظار أيام موتهم المعدودات بعد عشرات السنين من عودة لا تُسمن ولا تغني من جوع.. ويجب عليهم الاطلاع على العالم الخارجي، والانفتاح حول الدول، وذلك لمزج الخبرات وتنوُّع الثقافات، واكتساب الأفكار، وتنمية الطاقات والقدرات، من خلال الاحتكاك والاطلاع من جميع النواحي ليكون الهدف الأول والأخير هو العودة لتعمير الديار ليرجعوا مرة أخرى لرحم الوطن الحنون.. وإن كان يملأنا الأمل بأن الشباب في السودان للإبداع من رحم المعاناة ويوقفوا هذا الطوفان المدمر. وهذا هو فكرنا وما نطمح إليه جميعنا بناء سودان متطوِّر شامخ بشبابه لتقوية عضلاته والنهوض به لغدٍ مشرق.. نختلف ونتفق حوله.. ويظل هو السودان لا يملكه أحد، أحد. إذن هي هجرة الشباب وهواجس البحث عن لقمة العيش في الوطن الكبير.