كلُ عاد الي ليلاهُ .. فكيف وجدها ؟! محمد عبد الله برقاوي.. [email protected] أخي وصديقي وأستاذي الدكتور /حيدر ابراهيم علي ..العالم و الباحث الأكاديمي والمفكر السياسي .. عرفته عن قرب ابان عمله كاستاذ بجامعة الامارات العربية المتحدة بالعين فقد جمعنا العمل الاجتماعي في نادي الجالية حيث كان أمينا للجنة الثقافة وتشرفت بالعمل أمينا مساعدا له .. فلمست فيه بحرا من الأخلاق وموسوعية في العلم والفكر والثقافة يحاول جاهدا أن يدثرها بتواضعه الجم..وبساطتة التي ترفع من درجات مقامه ..وفوق ذلك كله .. تراه محبا للسودان يحمله في تلك ا لبسمة للغد يفرها وهو يملاء صدره بحلو الذكريات فيه والتي يستدعيها في الغربة ومع كل نظرة يبسطها علي مساحة تفاؤله بانه بلد قادم وأن تأخر كثيرا..! عقب انتفاضة ابريل 1985 فاضت دموعه النبيلة فرحا..وتأثرا ونحن نكّرمه ..وهو يطوي دروب الشتات في حقائب العودة لبناء سودان الحرية القادم الذي كم صدحت له دواخله شوقا وعشقا وهياما.. وقد رمقناه بأعين الأعجاب علي توكله وكأننا نقول له ليتنا كنا طليقي الاجنحة مثلك ..فشد علي أيادينا مودعا وهو يقول في انتظاركم هناك..! لم تمضي الا سنوات ثلاث..حتي رفرف جناح صديقنا حيدر مع رياح الشمال مقتفيا أثر النيل ليصب في أرض الكنانة دلاء خيبة أماله التي ملأت جوانحة جراء تعثرليلاه الطفلة و لم تكتمل صلابة عودها الهش في الوقوف طويلا اتكاءا علي حوائط البيت ..! تلك صورة ! أحد أخوتنا من الاسلاميين وكان يعمل براتب مجزي في غربته معنا.. وحينما سمع البيان الأول للانقاذ 1989 بدأ يتململ حتي اتضحت (الصورة ) الأخري بعد مدة ليست طويلة.. فامتطي شاحنة اشتراها لعودتة ظافرا ومسبحا وعبأها بالتهليل والتكبير والأمل لانها ستغدو اسطولا ببركة الخلافة التي طالما انتظرمجيئها طويلا ولو علي أسنة الرماح..ودعا لنا وهو يغادربالهداية من غفلة البعد عن طهارة الحكم الجديد وأفياء فراديسه و قد رمي باستقالته الي أدارته ولم ينتظر الرد..! زرته في أحدى اجازتي بالسودان بعد عام واحد من عودته ..فوجدته يفترش أكواما صغيرة من الفحم في ظل منزله دون أن ألحظ وجود زبائن له..وقد اهترأ عراقيه من جلسة انتظارهم.. وأصبحت بقايا الشاحنة أ طلالا متناثرة أمامه ينظر اليها كتذكار أليم لغربته الآفلة وهو يلعن الجماعة دنيا وآخرة .. غير أنه استحي أن يسألني عن طريق يؤدي الى الغربة ثانية وأكتفي بنصيحته لنا بان لا نرتكب غلطته وهؤلاء الأبالسة موجودين..! فكم هم الذين ماتت أحلامهم في مهد العودة وكلُ يغني علي ليلاه التي ملأت آفاق صحوه ورفرفت باجنحة ضحكاتها في منامه المتقطع مغتربا.. الحزن يعتصر الأفئدة علي حال كل الذين يعاقرون القهر وقد جثمت علي صدورهم محنة الانقاذ وهم داخل الوطن وصخور الغلاء تتساقط علي رؤسهم يوما بعد يوم من علياء الغرور والتحدي بان القادم هو الأثقل ..! كيف لا يحتملون وقد صبرت خلافة الجهاد في الفساد علي قرفنا اثنتين وعشرين سنة بحالها..أفلا نعطيها نصف قرن آخر فقط لنكفر عن سيئاتنا تجاهها.. هل من المنطقي أن لا يغترب دكتور حيدر وقد كفلت له الانقاذ حرية التعبير كاملة و الحركة الفكرية في فضاءات نسخة شتاته الثانية وحق الكتابة والنشر والبحث ولكّن من علي أرض الجوار القريبة ؟! وكيف لا تطول غربة برقاوي وهو يتوكأ علي قلمه في مناخات يصدأ فيها العظم والخشب ولبلاده سفارة لا تتغول علي حقه في تجديد جواز سفره طالما أنه مجبر علي تسديد ما عليه من التزامات ورسوم وان أبرز شهادة لاثبات فاقته عن العمل؟ ومن قال لصاحبنا بائع الفحم أن يدخل بشاحنته المأسوف علي حديدها ليقارب عرين الصحابة الجدد في مضمار سباق الصواريخ التي تسعي الي احتكار محطات نعيم الدنيا حصريا لهم وحدهم بلا شريك ولا منافس! ؟ وكم أصبح عدد الذين تاهوا في فجاج الأرض وبحارها ومزقوا وثائقهم وشراعاتهم علي مرافيء اللاعودة..وقد رموا خلف اللامبالاة جبال الهموم التي لا زالت تؤرق كاهل الدكتور حيدر..؟ وكم هم الذين يقفون صفوفا عند منافذ و شواطيء الوطن انتظارا للقطارات والحافلات و قوارب الابحار مع التيار أو حتي عكسه الي أي مكان وقد عبأوا حقائبهم بخرق اليأس عن انصلاح الحال ..؟ هي أحرف دامعة تنسكب كل يوم وتخلتط مع أدمع كل الذين يبكون اشتياقا للعودة وخوفا منها وحسرة علي مصير السودان وهو يعيش فيهم رغم البعد..لتمتزح مع تلك التي تنزفها دما عيون الذين يعيشون فيه وهو بعيد عنهم.. لهم ولنا جميعا حيثما كنا وكانوا.. الله المستعان .. وهو من وراء القصد.. نشر بتاريخ 17-08-2011