يكاد أهلنا في دارفور أن يمتازوا بوفرة الأمثال الشعبية التي تحكي في كلمات قليلة ما يحتاج شرحه إلى كتب ومجلدات، ومعظم أمثالهم تأتي من طبيعة البيئة التي يعيشون فيها، ومن ثم يتفاعلون مع مكوناتها المختلفة.. ولأن أهل دارفور يعيشون في أغلب مناطقهم ما بين حيواناتهم وأشجارهم على امتداد حزام الصمغ العربي فقد جاءت بالطبع أمثالهم تحكي عن احتكاكهم مع هذه البيئة الملاصقة لهم. ومن المعروف أن الجراد يكثر في هذا الحزام وبأنواعه المختلفة مثل جراد ساري الليل والجراد الصحراوي وجراد العتَّاب وجراد القبور فقد كثرت في أحاديثهم الأمثال التي تحكي عن الجراد في ظروف المعايشات المتعددة والمختلفة ومن أمثالهم أن يقولوا: «جرادة في كف ولا ألف طايرة»، يعني أنهم يقصدون أنه من الأفضل أن تمتلك وتستحوذ على شيء واحد امتلاكاً غير منقطع وغير متنازع عليه بدلاً من أن تمتلك ألفاً من هذا الشيء امتلاكاً اسمياً في الهواء، ومن أمثالهم أيضاً عن الجراد أن يقولوا «دبيب في خشمو جرادة ولا يعضِّي»، وهم هنا يقصدون أن الثعبان الذي يمتلئ فمه بجرادة ويكون مشغولاً بأكلها فإنه قطعاً لا يستطيع أن يعض شخصاً آخر أو يسبب له الأذى بحكم أن فمه غير قادر على أن ينفتح.. ويضرب هذا المثل للشخص «المرتشي» أو الشخص الذي تم إرضاؤه أو تعويضه تعويضاً مناسباً وكافياً ملأ فمه وأقنعه تماماً بحيث لم يعد قادراً على إزعاج الجهات المعنية. وأهلنا في دارفور يقولون إن «جرادة في سروال ولا بعضي.. لكن قُعادْهَا حار» وهنا يقصدون أنه إذا ما وجدت الجرادة طريقاً لأن تدخل في سروال أحدهم فمن المؤكد أنها لن تعضيه ولن تؤذيه ولكنها من المؤكد ستكون مصدراً للإزعاج بسبب حركتها المستمرة وبسبب الحساسية المفرط والخربشة التي تُحدثها. وبمناسبة السروال لعل البعض يعتقدون أنها كلمة «نابية» أو كلمة غير مهذبة وربما يقوم بعض زملائنا والمشرفين بالشكوى إلى رئيس التحرير ليذكِّروه بنشاز الكلمة ويطالبوه بشطبها، ولكن نقول إن كلمة سروال كلمة عربية فصيحة وتطلق على اللبس الداخلي الذي يشبه البنطلون وبهذه المناسبة فقد قام اليونانيون باقتباس ذات الكلمة لكنها تحرفت عندهم لتقرأ «سيرفال» ذلك لأن حرف «الدبليو» عندهم ينطق بديلاً لحرف الفاء SERWAL. والمهم في الأمر أن الجرادة التي في داخل السروال مزعجة ولكن يسهل سحقها والقبض عليها وإطلاقها منه.. وما يفعله «أهل المعارضة هذه الأيام بقيادة فاروق أبوعيسى» ممارسة لنفس طريقة الجراد في الفرفرة، على أنهم غير قادرين على أن «يعضوا» ويبقى أن الأمر متروك لمتخذي القرار فإن شاءوا عفصوا الجراد وسحقوه وإن شاءوا تركوه يحوم ولكنه يزعج والأفضل من كل ذلك أن يملصوه فإما أن يطير الجراد أو يضرب بالجزمة، و«البلاقيك متحزم.. لاقيهو عريان». ومن المؤكد أن بعض أهل المعارضة في خشمهم جرادة فهم لا يعضون وبعضهم منزوع الأنياب والأظافر وبعضهم يكاكي عند الحكومة ويبيض عند المعارضة وبعضهم يكاكي ولا يبيض وبعضهم يكاكي مع الحكومة ويكاكي مع الخواجات...