نشرت صحيفة الفاينل كوول الأمريكية على موقعها الإلكتروني أمس مقالاً بعنوان: «جنوب السودان يغرق في مستنقع الفساد والانهيار الاقتصادي» إن سوء إدارة الأموال بالجنوب ليست بالجديدة إذ يعود تاريخها إلى يوليو العام 2011 حين انفصل الجنوب ليصبح أحدث دولة في العالم وإفريقيا، وحال الانفصال عاش الشعب الجنوبي أحلام الرفاهية ورغد العيش من خلال تنمية اقتصادية واجتماعية تنتظم كل مفاصل البنية التحتية إلا أنه حصد الهشيم.. ووفقاً لما كتبه ديفيد شان في كتابه «السودان الرؤية» الذي نشره في العام 2011، فإن الحركة الشعبية لم تكن مؤهلة لإنفاق عشرة المليارات دولار التي تحصلت عليها من عائدات النفط على مدى خمسة أعوام، ووفقاً لتشاند فإن الفساد المالي بالجنوب نجم عن عدة أسباب أهمها غياب التخطيط الإستراتيجي وسوء الإدارة والفساد المستشري وسط قادة الحركة الشعبية وعدم تحديد المسؤوليات المالية وغياب التخطيط الفاعل للأولويات التنموية الأمر الذي جعل الرئيس سلفا كير ميارديت يعلن وببساطة أن«4» مليارات دولار اختلسها الجهاز الإداري لحكومته إضافة إلى أفراد لصيقين مع مسؤولين حكوميين، وقال كير في خطاب رسمي أعلنه على الملأ إنه كتب«75» رسالة إلى مسؤولين سابقين وحاليين في حكومته لاسترداد الأموال التي سرقوها طواعية ليترك العالم مذهولاً من الطريقة التي يدير بها شؤون الدولة الوليدة بعد أن عرض العفو والسرية للمسؤولين الفاسدين وهو ذات الأمر الذي أكده وزير الدولة للإعلام برنابا بنيامين بعد أن كشفت صحيفة الديلي إستار أن المراجع العام بدولة الجنوب عجز عن كشف «1,5» مليار دولار في العام 2006م فقط، ويبدو أن سلفا كير فقد كل الآليات التي يمكن أن يتستر خلفها لتمويه الفساد بالدولة الوليدة الأمر الذي اضطره للاعتراف علناً بفساد حكومته قائلاً: «لقد قاتلنا من أجل الحرية والمساواة، ولكن عندما وصلنا إلى السلطة نسينا ما قاتلنا من أجله وبدأنا نثري أنفسنا على حساب شعبنا» وهو بذلك يقرُّ بسلسلة الفساد التي مارستها حكومته بدا من اختلاسات أموال الشرطة والجيش ومرورًا بفضيحة الذرة التي اختلس فيها وزير المالية وآخرون ما يزيد عن ملياري دولار، الأمر الذي دفع كير لمخاطبة قادة العالم بما في ذلك كينيا لمساعدته في الحد من الفساد وقد فتحت جوبا حساباً في أحد البنوك الكينية حتى يتمكن المسؤولون الفاسدون من استرداد ما سرقوه في سرية وبدون محاكمة وبالرغم من جهود كير لاستعادة أموال الشعب الجنوبي المسروقة فلن يرجع المسؤولون الفاسدون ما أخذوه عنوة بسهولة إذ أن حكومة الجنوب قد استعادت«60» مليوناً فقط من«4» مليارات ويبدو أن لجنة مكافحة الفساد بالجنوب تعاني عجزًا ظاهرًا في التصدي للمسوؤلين الفاسدين الذين يحظون بالحماية الأمر الذي أجهض محاولاتها في محاكمة الفاسدين في مهدها حيث أنها لم تقدم سوى ستة مسؤولين للمحاكمة منذ إنشائها في العام 2009 بالرغم من أن صحيفة الواشنطن تايمز قد أكدت أن أموال فضيحة الذرة قد تسربت إلى خارج البلاد وأودعت في حسابات أجنبية بينما استعمل جزء منها في شراء عقارات نقدًا. ويعتبر الفساد جزءاً من المشكلات التي يتعرض لها جنوب السودان فبالرغم من البلاد غارقة في احتياطي من النفط إلا أنها تعاني من انهيار اقتصادي خطير بعد أن ارتفعت حدة التوتر بينها وبين السودان بسبب رسوم نقل النفط عبر البحر الأحمر مما دفع الجنوب لإيقاف صادرات النفط شريان الحياة للدولة الوليدة، وامتد تأثير القرار إلى السودان الذي فقد «75%» من إنتاجه للنفط بانفصال الجنوب الأمر الذي أصاب العالم بالذهول عندما اجتاحت جوبا حقل هجليج السوداني بوصفه حقل النفط الوحيد المتبقي للسودان ويبقى تحدي المفاوضات المنعقدة في أديس أبابا من أجل تقريب وجهات النظر بين الدولتين لمعالجة قضايا ما بعد الانفصال وهو ما تعول عليه الأممالمتحدة للوصول إلى اتفاقية تنهي الصراع بين الدولتين.