فاز محمد مرسي بانتخابات الرئاسة في مصر.. كأول رئيس تنتخبه «أم الدنيا» منذ عهد الفراعنة من قبل ما يزيد عن سبعة آلاف سنة .!! يا له من تاريخ!! ولحظة مضيئة في مسار الزمان.. وعبرة .. ووعد لا يخيب!!. من بين أنهار الدماء وأرواح الشهداء الذين خاضوا بيداء من اللهب والتعذيب والسحل وواجهوا الموت من حسن البنا حتى شهداء ميدان التحرير، يشرق اليوم فجر جديد في مصر كما قال الشهيد سيد قطب، الذي يطلُّ وجهه وهو في معيّة الشهيد حسن البنا، صباح اليوم، على وجه مصر الصابرة وهو يبتسم ابتسامة الرضا، بأن الله لم يخلف وعده لعباده المؤمنين.. «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِين» ها هي مصر.. تستعيد نفسها وتتحرر من قيدها وطواغيتها، ذهب السجّان منهزماً ومندحرًا.. وجاء المظلوم مضرّجاً بدمائه حاملاً دعوته وحقه وقضيته على كفيه اللتين تعفرتا بالدعاء، مجدولاً على معصميه النصر، مرسوماً على جبينه ملامح الصبح الجديد. نبتت ألف شجرة وتفتح ألف بُرعم روته دماء الشهداء ودموع اليتامى والثكالى والأرامل، وتوهجت مصر فخورة بيوم عرسها البهيج... بعد أن داست على الجمر سنيناً وسنينا.. ألقت بفرعونها في البحر وابتلعه يم الثورة ومن خلفه زبانيته، وحاول الخونة خيانة الثورة المصرية ووأدها وتقليم أظافرها ونزع أنيابها وطمر بهاء سطوعها.. لكن ثورة اندلعت لتنتصر. كله تاريخ من النضالات الطويلة والمضيئة والأحزان، وتبقى الانكسارات الكبار هي محراب النار التي تخرج منه من تحت الرماد، وقد تعوّدت هذه الأمة، على مرّ الزمن، أنها لا تدخل في وحل الانحدارات الحادة، إلا وهي كاللؤلؤة على ثبج البحر، تطفو فوق مأساتها ودمها ودموعها، لتنتج من جديد تاريخها وتستعيد مجدها المؤثل وانتصاراتها والخروج. وليس هناك ما هو أقسى من الحنظل حين يقف غُصّة في الحلوق، في زمن الفواجع والموانع والقواطع وليل الهزائم الطويل. لكن عندما تتكاثف حلكة الظلام يقفز الفجر ملتمعاً كأنه برق طويل العمر، وتضيء فجوات الزمن تلك البيارق الجديدة وذاك البريق العجيب.! الطريق واحد.. طريق المتجبِّرين المستكبرين.. وأيضاً الطريق واحد للصامدين الصابرين الواقفين على جفن الردى وهو نائم.. هي حالة شديدة الغرابة، حين يحاول الظلام أن يمدّ سدوله فوق جبين الشمس، وعندما يحاول الزبد أن يسرق جريان الماء، ويستفرغ الباطل جهده أن يفقأ عين الحقيقة ويدوس عليها بحوافر من حجر. كانت تلك أيام نظام مبارك في مصر هي علامات الزمن القميء.. ومعالم العصر البذئ. الذي ينتفش فيه ريش الضلال وتنتفخ فيه أوداج الطواويس الكاذبة المختالة بوهج القوة الباطشة، المتوهمة أن عجلات الزمن تدور كما تشتهي.. وكأن الظلال دائماً على امتدادات الطريق هي الظلال..! هذا الظرف التاريخي العصيب، الذي نعيشه، يشبه تلك الحالة التي تسبق بزوغ الفجر وسفور الشمس بوجهها الباذخ الضياء. لأن النتائج والخلاصات النهائية، دائماً واحدة.. لا يتغير الناموس الكوني، ولا الوعد غير المكذوب لبارئ الكون ومصوِّره ومدبره ورشيده وصانعه وباسط أرزاقه والمهيمن على كل متسلِّط وقاصم جبار. لقد كادت تلك الحالة اللزجة التي يتنزّى ظلامها ويستعلي ظُلامها تستمر لولا الثورة التي اقتلعتها، وكانت الأيام تحبل بكل إشراقات الغد المترقب المأمول، وهو النصر الذي يتواثب بعد صبر، والفوز الذي يأتي بعد عوز وعجز وانكسار وحريق ودمار. هذه الأمة، عصية مهما علا زيف باطلها وتكاثر خونتها وتهافت فُسّاقها وتناسلت خيباتها، عصية على الانسحاق والانسحاب النهائي من حلبة الزمن والتاريخ.. قد تتأخر في مخاضاتها وقد تبطئ في عدوها وجريها لكنها في آخر المطاف تصل وتنتصر ولا ينطفئ عزمها وتوكلها فهي تقتبس من نور فالق الحب والنوى. هذه هي مسارات الزمن والكون ونواميسه، فالطغاة.. مهما بطشوا بقوتهم واستعانوا بتداعيهم كالأكلة على قصعتها.. هم إلى زوال وخسران وخيبة، ولولا ذاك لما تلاشى عبر التاريخ الفراعنة والهراقلة والأكاسرة الجبابرة الأولي كنزوا الكنوز والقوة، فما بقين ولا بقوا.