علاء الدين عبد الرحيم من الطيور المهاجرة، شاعر مرهف الإحساس قضى في المملكة العربية السعودية أربعة عشر عامًا، فارق أرض الوطن تاركًا وراءه شوقًا وحنانًا وريدًا لأرض الوطن ولوالدته التي ألحت عليه وترجَّته ليبقى بجوارها فهو يمثل كل شيء فى حياتها بل ان وجوده بجوارها أحب إليها «كان عشان تسقينا زمزم نحنا بى حنك روايا» تلك الكلمات من قصيدة «عافية منك» صاغ كلماتها لوالدته وغيرها من القصائد.. جلست اليه زاوية «حصاد الغربة» في مهجره فكانت هذه حصيلة الجرعة الثانية من حواره مع «الإنتباهة» تعاملك مع أبناء الجاليات الأخرى؟ لا والله، لم تتح لي فرصة التعامل مع جاليات أخرى لكن هناك أجانب كثيرين عربًا وغير عرب يحضرون مناسبات السودانيين بحكم علاقاتهم بأهل المناسبات فيحضرون ويستمعون إلى الفن السوداني ويشيدون به كشعر وموسيقا وغناء.. هل الإعلام السوداني أنصفك كشاعر؟ أنا بحكم اغترابي عشت بعيدًا عن الإعلام والإعلاميين السودانيين ولكنني عندما أعود إلى السودان أقرأ مايسرني وتقدَّم لي الدعوات من كل أجهزة الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة منها.. لكني رغم ذلك أتأثر بما يتأثر به كل شعراء بلادي من تهميش وعدم حفظ لحقوقنا الأدبية فهذا لا يصيبني وحدي بل كل الشعراء، وأنا على يقين بأن ثلثي الشعب السوداني حفظ أو عرف أو سمع بقصيدة عافي منك أو حبي أنا ليك كان زادي لكن كم منهم يعرف من هو شاعرها؟ قليلون.. لكني دومًا أقول وأؤمن بأنني لم أكتب الشعر من أجل الشهرة ولا المال بل أكتبه من أجل نفسي ومن يجد نفسه فيه... فلا أستطيع وصف شعوري عندما تجد أعمالي القبول والثناء وعندما أسمع كلمات الإعجاب من أشخاص لا أعرفهم ولا تربطني بهم صلة فهذا هو كل مبتغاي وهذا ما يرضيني ويدفعني إلى الإبداع دفعًا.. فيقيني أن الأعمال وحدها هي التي ترفع من أسهمك لا كتابة أحدهم ولا ثناء منافق عليك.. ماذا كسبت من الغربة رغم ويلاتها ورغم آلامها إلا أن هناك جوانب كثيرة مضيئة في دروب الغربة.. كثير منا يتجاهلونها أو لا يرونها.. منها خمس فوائد الأسفار المعروفة ومنها أيضًا التعرف على أناس لم تحلم بأن تراهم يومًا ما وقوة العلائق التي تربط الأسر هنا.. فالحمد لله نحن نعيش في بلد مسلم متمسك بدينه فيه من الأمن والأمان ما يجعلك تطمئن في حلك وفي ترحالك.. إضافة إلى الانضباط في المواعيد والعمل ومواكبة التطورات عن قرب وإتاحة مقوِّمات الحياة الكريمة.. لماذا يهاجر شعراء السودان؟ أصبح بلدًا طاردًا لا يُحتمل البقاء فيه، فالشعراء لم يهاجروا وحدهم بل هاجرت كل الرءوس وكل المتميزين، فالسودانيون يملأون كل الأماكن هنا وغير هنا تجدهم في كل مكان وجميعهم يتفقون على أن السودان لا يطاق.. نسأل الله أن «يعدل الحال». في مجال الشعر هل فكرت أن تصدر ديوانًا لك؟ صدرت لي مجموعة باسم ««الحزن الدفين»» وُزِّعت على مستوى دول الخليج ونال السودان منها نزرًا يسيرًا.. فمشكلة الشركات الراعية والموزعة أنها تقف بيننا وبين الإصدارات الجديدة، فإن حاولت إصدار مجموعة أو ديون فيكون ذلك على مجهودك ونفقتك الخاصة مما يرهق الشاعر ويجعل أعماله حبيسة الأدراج دومًا.. الآن ستصدر لي عن قريب في السودان مجموعة باسم «عافي منك» وهي في مراحلها الأخيرة تقوم عليها وزارة الإعلام وبعض الجهات الأخرى.. أيهما الأرجح جوانب السلب أم الإيجاب في الغربة؟ السودان بلد جميل وذو طبيعة فاتنة ويكفي أن اهلنا يعيشون فيه ويتنسمون أنسامه.. وكل سوداني يعشق السودان حتى الثمالة فمن إيجابيات الغربة أنها تعطيك إحساسًا مختلفًا بالسودان فتزيدك حبًا على حب وشوقًا على شوق فعشق السودان هنا غير عشقه هناك، فطعم الذكريات يختلف وحتى طعم الأغاني والأشعار، فكثيرة هي الأغنيات التي ترددها وأنت في السودان دون وعي ولكنك تذرف فيها دموع الدم هنا وتجدك تبكي كلما وردت كلمة حنين أو شوق أو ذكرى أو وحشة.. هل يعاودك الحنين إلى الوطن والعودة النهائية لأرضه؟ قال لي أحدهم «لو كنت أملك قرارًا لأرجعتك إلى السودان بقرار جمهوري» وذلك بعد أن شاهد آخر لقاء لي على شاشة النيل الأزرق قُبيل مغادرتي للسودان بدقائق في برنامج «ألو مرحبا» فقد أحس بالنزاع الداخلي الذي انتابني وقتها ولعن معي الغربة والظروف التي أخرجتنا من بين اهلنا.. فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الشعور والرغبة في عودة النهائية يخالجنا دومًا ونسأل الله ليل نهار أن نعود إلى السودان سالمين غانمين ومعافين.. كيف تقيِّم نظرة الحكومة للمغترب السوداني؟ الحكومه لا ترغب في عودة أحد إلى السودان إلا من تريد هي عودته لأنها ترى فيه البقرة الحلوب التي تعطي الحليب ومن ثم اللحم.. وذلك لأنها لا تقدم أي إغراءات للرجوع، فالمغتربون يناضلون من أجل أن تسمح لهم الحكومة عند مغادرتهم النهائية بجلب سيارة وعفش المنزل فقط ليعود المغترب ويجد الحد الأدنى من العيشة الكريمة بين أهله.. أو إنصاف أبنائهم فى تقييم شهاداتهم التي تنتقص ليكملها أولياء أمورهم دولارًا من دماء قلوبهم ناسين أن هذا المغترب كدّ وتعب من أجل ابنه ليستثمر فيه وفي تعليمه فيصطدم بواقع مُر يطيح أحلامه ويُذهبها أدراج الرياح... * شكرًا «الإنتباهة» إدارة وتحريرً وكل منسوبيها وشكر خاص للأخت أفراح تاج الختم على المجهود الجبار الذي بذلته والاتصالات المتواصلة لنعبُر من خلالكم إلى كل محبينا ومعجبينا.. فلكم التجلة والاحترام..