لم أندهش وأنا أشاهد على شاشات التلفاز السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية يخرج ظرفاً من جيبه الأيسر ويقرأ من داخله خطاباً من مجلس الوزراء خلاصته أن مرتب «سيادتكم» خمسة عشر ألفاً والخصومات حوالى أربعة آلاف وشوية والباقي لكم عشرة آلاف وشوية وهي تمثل الTake home بتاع نائب الرئيس.. وبالطبع من حق نائب الرئيس أن يصر ويلح على قراءة تفاصيل مرتبه وهو أمر كان يجب أن يكون في طي الكتمان على الرغم من إلحاح الأعضاء بالامتناع لأسباب كثيرة ليس أقلها أنه أمر شخصي وأنه يخص نائب الرئيس.. وقد قفز إلى ذهني المثل الشعبي الذي يقول.. «اللي يشوف مصيبة غيرو تهون عليهو مصيبتو».. ورأيت أن أشتق منه مثلاً جديداً.. «اللي يشوف ماهية غيرو تهون عليهو ماهيتو».. طيب يا جماعة ناس المعارضة «الوطنية» و«الما وطنية» وأصحاب الأغراض والأمراض قالوا في أمر الأجور والمرتبات للدستوريين ما قاله مالك في الخمر و«دقوا الدفوف» و«وطلّعوا الفي الرفوف» وخلّوا الشايف يشوف» و«ضربوا الروري» و«ثكّلوا حي ووووب».. وقالوا إن الدستوريين هم سبب الأزمة العالمية وهم الذين تسببوا في كارثة يوم الإثنين الأسود بتاع «وول استريت» وهم الذين عملوا مشكلة نمور آسيا.. وهم الذين جففوا الموارد وثقبوا الأوزون وعملوا الاحتباس الحراري وسونامي اليابان وأخيراً زادوا المحروقات في السودان. وكان رد النائب الأول أن الدستوريين كلهم لا يتجاوز عددهم خمسمائة وشوية مواطن، وهؤلاء مقسمون على ولايات السودان يكون نصيب الولاية الواحدة من الدستوريين أقل من أربعين دستوريًا، وهذا في بلد مساحته تعادل مساحة اثنتي عشرة دولة من دول الاتحاد الأوروبي.. وفي بلد يسعى إلى «إرضاء واسترضاء» أبناءه الذين يشكل كل عشرين شخصاً منهم حركة من حركات التمرد المسلح، لأن معهم مدفع دوشكا وعربة تاتشر ويطالب هؤلاء العشرون «بثلاثين» مقعداً دستورياً.. وهنا مربط الفرس وهنا عمود الأمر وسنامه وهنا بيت القصيد.. فلا بد أن زيادة الحركات المسلحة هو السبب المباشر في توسيع «ماعون» الوظائف الدستورية.. ورجوعاً إلى مرتب النائب الأول الذي يصل إلى عشرة آلاف جنيه يمكن للقارئ الكريم أن يسأل «المتعاقدين» من مديري المؤسسات التمويلية والبنوك التجارية عن مرتبات المديرين ونوابهم ومساعديهم ليعرف أن أقل البنوك «غير الحكومية» يمنح المدير مرتباً لا يقل عن خمسة وعشرين مليون جنيه شهري إضافة إلى أن موظفي البنوك عموماً مرتباتهم تعادل على الأقل ستة وثلاثين شهراً في العام الواحد.. هذا طبعاً بإضافة البدلات والبونص.. وهناك من المؤسسات المالية من يصل مرتب مديريها إلى خمسين مليونًا.. وقريباً جداً سمعنا عن حقوق نهاية الخدمة لأحد المديرين الكبار جداً التي بلغت أكثر من أربعة مليارات.. وبهذه المناسبة نقول إن نائب الرئيس في دول أوروبا الغربية يصل مرتبه إلى أربعمائة ألف دولار في العام.. يعني حوالى أربعين ألف دولار في الشهر يعني حوالى مائتي مليون جنيه سوداني قديم في الشهر الواحد.. ومرتب نائب الرئيس في منطقة دول شرق آسيا يصل إلى ثلاثمائة ألف دولار في العام يعني حوالى مائة وخمسين مليون جنيه في الشهر.. ودعونا من كل ذلك فإن عائدات الفنان بتاع الحقيبة المعروف عندنا يقيم حفلته الواحدة بعشرين مليون جنيه.. وفي الشهر يعمل عشرة حفلات عائداتها لشخصه فقط ومن غير حق الفنانين «وعشاهم» و«الذي منو» تصل إلى مائتين وخمسين مليون جنيه في الشهر والفنانة إياها دخلها الشهري مائة مليون جنيه ومالنا نذهب بعيداً وهناك من كُتاب الأعمدة في الصحف من يبلغ دخله من «العمدان + الوظيفة + المشاركات» حوالى عشرين مليون جنيه شهرياً.. «اللي يوشف ما هية غيرو تهون عليهو ماهيتو».. وبهذه المناسبة سؤال برئ جداً كم «يقبض» بعض زعماء المعارضة شهرياً تحت بند «جبر الخواطر» و«التعويضات» إن كانوا «يقبضون»؟!!