في القرن الماضي وما سبقه كانت أغلبية الدول الإفريقية والآسيوية ودول أمريكا اللاتينية مستعمرة من قبل الرجل الأبيض، من كافة الأقطار الأوربية، لفترة طويلة كانت سيطرة المستعمرين مبسوطة على هذه الدول بسهولة، وربما بقبول من بعض الوطنيين الذين استطاع الاستعمار أن يربط مصالحهم به.. وبالرغم من أن الشعور الوطني في هذه الأقطار لم يخبو، إلا أنه كان محدوداً، يقتصر على الفئات المتعلمة أو العاملة في نقابات العمل، وهذا ما أطال فترة الاستعمار، حيث إن السواد الأعظم من الشعوب كان يشعر بأن إزاحة المستعمرين أمراً صعباً وبعضهم لا يحس بمشكلة المستعمر وربما البعض الأخر يرى الخير في استمرار الاستعمار. زيادة وانتشار التعليم، وزيادة الشعور بظلم المستعمر، وزيادة الحس الوطني في هذه الأقطار المستعمرة، وظهور قيادات وطنية قوية ومخلصة، قاد إلى ثورات الاستقلال والتي صدرت من الأقطار التي نالت استقلالها لتلك التي ما زالت تحت قبضة المستعمر.. خلاصة الأمر أن إزاحة الاستعمار أخذت فترة طويلة وتضحيات كبيرة وجهد متواصل. وما أشبه اليوم بالبارحة، الاستعمار خرج في شكله التقليدي ودخل في أشكال أخرى، ونفس الموقف تجاهه يكاد يتكرر بنفس الصورة.. قلة تشعر بالاستعمار الحديث في شكل العولمة والشركات العملاقة والحكومات التي تعمل بالوكالة، ثوبها وطني، ومظهرها وطني، ويعمل بها وطنيون خدام للاستعمار الحديث، والمصيبة الكبرى أن الشكل القانوني للاستعمار الحديث من خلال ما يعرف بمنظمة الأممالمتحدة وفروعها المختلفة مكّنها لإعادة الاستعمار واستغلال الشعوب.. الدول الاستعمارية تعتبر أن موارد الأرض محدودة ونظرتها تنطلق من التكوين النفسي المتراكم والمبني على الشعور بأن الخير محدود (Limited Good) وأن الدول التي تقع فيها معظم هذه الموارد إما لا تحسن استغلالها، أو لا تستحقها أصلاً، ولذلك لا بد من بذل كل الجهود للوصول إلى هذه الموارد والاستفادة منها وضمان السيطرة عليها حتى نفاذها. عند إقامة هذه المنظمة منظمة الأممالمتحدة وكما ذُكر كانت أغلبية الدول الإفريقية والآسيوية ودول أمريكا اللاتينية مستعمرة ولم تشارك في تكوين هذه المنظمة ولم تشارك في وضع قوانينها ونظمها، وهذه الفرصة أعطت للدول الاستعمارية المجال واسعاً لتفصيل هذه المنظمة وهياكلها لخدمة مصالحها، ومن غير الوارد الآن أن تسعى الدول المستفيدة من هذه المنظمة لتغيير قوانينها ونظمها لإنصاف ومساواة الدول التي تعتبر متخلفة أصلاً. من المضحك أن كل دول العالم وبخاصة الدول الغربية تصر على حقوق الإنسان والديمقراطية والمساواة بين البشر، بينما قوانين هذه المنظمة تنتهك كل ذلك وبصورة بشعة، وأقبح ما فيها حق النقض الذي يجعل دولة واحدة تسقط ما يمكن أن تُجمع عليه كل دول العالم.. والأدهى والأمر أن الجمعية العمومية لهذه المنظمة والتي تجمع كل الدول المنضوية في عضويتها لا تمثل إلا منبراً للخطابة الفارغة، ولا سلطة لها، وبالأحرى لا وجود لها بالنسبة للدول الغربية التي تسيطر على مجلس الأمن، والذي يجمع كل السلطات ويملك حق التشريع.. ولا أدري إلى متى تقبل الدول المتخلفة أو النائمة أو دول العالم الثالث بهذا الوضع الذي يجعلها مضحكة ومهزلة وتابعاً ذليلاً للدول الغربية.. كثير من الناس يرى أن مجرد التفكير في إمكانية إحداث تغيير فعلي في هذه المنظمة وما يتبعها، ترف ذهني وحرث في الماء، لأن الأقوياء لن يسمحوا بحدوث ذلك، وهكذا تستمر الدول القوية في استغلال هذه المنظمة وفروعها لتقنين ما تريد فرضه من عقوبات أو حروب على من يخالفها أو يرفض السير في ركابها والخضوع لها. التغيير المطلوب: من التقديم الآنف الذكر يتضح أنه إذا قُدر للأمم التي لم تشارك في وضع أهداف وقوانين المنظمة الدولية أن يكون لها الحق العادل والمساوي للدول الأخرى دون دونية أو تجاوز، ولضمان أن المنظمة والقوانين لخدمة البشر كبشر، متساوين في الحقوق والواجبات، وأنه لا فضل لأبيض على ملون أو أسود، فإذاً لا بد من تعديل هذه النظم والقوانين لإحداث هذا العدل المطلوب.. ذلك بحيث تصبح المنظمة وما يتبعها خادماً لكل البشر وكل الأمم تقدم المساواة دون تميز أو تحيز وأن تزال كل الهيمنة والتغول عليها وإخراجها من أن تكون أداة في يد بعض الدول ضد بقية دول العالم.