هذه حكايةٌ شهدناها تتكرر أكثر من مرة، وبأكثر من شكل، في جمهورية «إفلاطونيا» .. نختارُ هُنا نموذجاً واحداً نستطيعُ أن نشهد على حدوثه بتفاصيله الدقيقة.. كتب صحافيٌّ شديد الثقة بالدور الرقابي للصحافة، عن حادثةٍ شهدها، وكان ما كتبهُ الصحافي كالآتي: تسلق لصٌّ، حائط منزل «محمد احمد»، وقفز إلى داخل «الحوش»، وكان محمد أحمد غائباً، قام اللص بكسر قفل الغرفة الوحيدة، ودخلها، ثم حمل كل ما وجدهُ فيها مما يُمكنُ بيعه أوالاستفادة منهُ، ثم خرج اللص حاملاً مسروقاته، ثم ذهب إلى باب «الحوش» المغلق من الداخل ففتحهُ وخرج، ولم ينس أن يُغلق الباب وراءهُ، وقد عاد محمد أحمد لاحقاً فاكتشف السرقة، وأبلغ الشرطة.. ما إن ظهر الخبرُ بتوقيع الصحافي، في الصحيفة الشهيرة التي يكتب فيها، حتى ذهب اللص إلى المحكمة حاملاً الصحيفة، ورفع دعوى ضد الصحافي الذي كان قد زعم أنهُ يملك وثائق على كل ما ذكرهُ.. اللصُّ ذكر في دعواهُ التي رفعها ضد الصحافي أن المذكور قد كذب كذباً ضارَّاً في أكثر من فقرةٍ بالخبر الذي ذكرهُ، الأمر الذي تضرر منهُ اللص واعتبرهُ «إشانة سمعة».. سألهُ المتحري: أين كذب؟؟ أجاب اللص: أولاً، قال إنني قمت بكسر قفل الغرفة، بينما الحقيقة هي أنني وجدتُ باب الغرفة موارباً بدون قفل، فدفعته فانفتح.. وأتحدى ذلك الصحافي الكذاب أن يُثبت أنه كان هنالك قفلٌ وأنني كسرتُهُ.. ثانياً، قال الصحافي الكذاب إنني قمتُ بإغلاق باب الحوش ورائي بعد خروجي، وهذا لم يحدث، إذ إنني تركتُ الباب ورائي مفتوحاً، وهذا دليلٌ على أن الصحافي كذاب.. حين تم استدعاءُ الصحافي إلى النيابة للتحقيق، فوجئ الرجُلُ بأنهُ لا يملك وثائق حول مسألتي قفل باب الغرفة وباب «الحوش»، ولكنهُ أبرز كل الوثائق الأخرى التي تثبت وقائع السرقة، ولكن وكيل النيابة نبههُ، بأدبٍ جمٍّ مألوف لدى وكلاء نيابات جمهورية إفلاطونيا، إلى أن كل الوثائق التي يحملها هي «خارج موضوع القضية»، وأن عليه أن يثبت أن اللص وجد باب الغرفة مغلقاً بقفل، وأنهُ كسر القفل، وعليه أيضاً أن يبرز الوثائق التي تثبت أن اللص حين خرج من باب الحوش أغلق وراءهُ الباب.. قال الصحافي، محتاراً: في الحقيقة إنني لستُ متأكداً تماماً من هذين الأمرين، ولكنني، مع ذلك، أستطيع أن أثبت لكم حدوث السرقة.. وكيل النيابة خاطبهُ بمودةٍ وإشفاق، طالباً منهُ أن ينسى حكاية السرقة من أساسها، لأن القضية التي أمامهُ هي مسألة قفل باب الغرفة، ومسألة باب الحوش، وطلب منهُ همساً في أُذنه أن يبحث عن محامٍ حاذق، لأن موقفه، في الحقيقة، في غاية السوء!! الحكاية لم تنتهِ، وما أظنها تنتهي، ما دام «القانون» في جمهورية إفلاطونيا هو«القانون»!!