لقد فاز الدكتور محمد مرسي في الانتخابات الساخنة التي أجريت أخيراً وصحبتها منافسة حادة، وأضحى رئيساً منتخباً لجمهورية مصر العربية، ومن تصاريف القدر أنه أمضى فترات حبيساً في المعتقلات السياسية، وها هو يخرج رئيساً ويصبح حسني مبارك سجيناً، أي أن السجان أضحى سجيناً وأصبح أحد سجنائه السابقين من تنظيم الإخوان المسلمين رئيساً لمصر ورجلها الأول. ودكتور مرسي أستاذ هندسة جامعي، وثمة تشابه في طريقة انضمامه للتنظيم بالطريقة التي انضم بها الشهيد المفكر سيد قطب الذي كان أديباً مبدعاً وناقداً معروفاً وكاتباً مرموقاً ومن المعجبين بالعقاد والمقربين إليه، وقد انضم لتنظيم الإخوان المسلمين بعد مقتل الإمام الشهيد حسن البنا في عام 1949م، أي أنه التزم تنظيمياً وهو في حوالى الثالثة والأربعين من عمره، وأخلص للدعوة الإسلامية وأضحى من كبار مفكريها وكتابها ودعاتها، ودافع ونافح عنها بالقلم والكلم، وأثرى المكتبة بأقيم المؤلفات، ومنها سفره العظيم «في ظلال القرآن الكريم»، وكان مبدئياً وصلباً في مواقفه، واستشهد في أغسطس عام 1966م، وبنفس الطريقة فإن دكتور محمد مرسي انضم للتنظيم بعد تخرجه في الجامعة في عام 1975م، أي أنه لم يكن عضواً وناشطاً تنظيمياً حتى بلوغه تلك السن، وانضم بعد ذلك وأخلص للدعوة، وأمضى في التنظيم حتى الآن زهاء سبعة وثلاثين عاماً. وقد أتى دكتور محمد مرسي لسدة الرئاسة في أعقاب ثورة شعبية عارمة عصفت بالنظام السابق. والمعروف أن الرئيس المصري الجديد ليس أميراً للإخوان المسلمين في مصر، ولكنه كان رئيساً للحزب الذي يعتبر الجناح السياسي للتنظيم، وقد تحلل بعد فوزه من رئاسة الحزب، وهو الآن رجل مصر الأول ورمز سيادتها، وهو بروتكولياً الأول بلا منازع رغم أنه عضو في تنظيم الإخوان المسلمين وليس رئيساً له، وفى العالم حالات عديدة مماثلة، وعلى سبيل المثال فقد كان عبد الله خليل رئيساً للوزراء رغم أنه لم يكن زعيماً للحزب الذي يمثله في الحكومة، بل كان سكرتيراً عاماً له، وكذلك كان المحجوب رئيساً للوزراء في الديمقراطية الثانية رغم أنه لم يكن زعيماً للحزب ولكنه كان أحد أقطابه الكبار، وكذلك كان السيد أحمد الميرغني رئيساً لمجلس رأس الدولة في التعددية الحزبية الثالثة ولكنه لم يكن زعيماً للحزب الذي يمثله بل كان نائباً له، ولم تحدث ثنائية وازدواجية وخلل بروتكولي لأنهما كانا شقيقين. والآن فإن الدكتور محمد مرسي عضو في تنظيم الإخوان المسلمين وليس أميراً له، ولكنه الآن رئيساً لثمانين مليون نسمة في مصر بكل مللهم ونحلهم وألوان طيفهم ومشاربهم الفكرية المختلفة، وإن الوضع في مصر يختلف عن الوضع في إيران، إذ كان الإمام الخميني بعد نجاح الثورة وإطاحة الشاه ونظامه في عام 1979م هو الأب الروحى ومرشد الثورة والدولة، ومن بعده أصبح خليفته علي خامنئى هو مرشد الدولة، وتبعاً لذلك فهو بروتكولياً الأول فى إيران. وتعاقب على حكم إيران بعد قيام الثورة ثلاثة رؤساء للجمهورية، ولكن من ا لناحية الرسمية ليس في مصر الآن مرشد للثورة والدولة كما حدث فى إيران، ولكن الوضع الماثل اليوم هو ثمرة غرس وعطاء تنظيم متماسك صلب صمد في وجه الأعاصير والعواصف وقدم أرتالاً من الشهداء والسجناء، وارتبط بالقواعد على كل مستويات الصفوة والجماهير العريضة، وأزهر وأثمر زرعه، ولم يفز برئاسة الجمهورية فقط ولكنه فاز بالأغلبية في مجلس الشعب الذي تم حله أخيراً، وهذا يؤكد أن المنضوين تحت لواء التنظيم قيادة وقاعدة كانوا وما فتئوا أصحاب قضية ورسالة دافعوا ونافحوا عنها بكل بسالة، وبذلوا جهوداً خارقة في مجالات العمل التربوي والدعوي والجهادي والسياسي والإقتصادي والاجتماعي، وارتبطوا بالقواعد عن طريق جمعيات البر والتكافل الاجتماعي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل الخدمي التطوعي المباشر، وبعد طول صبر ومصابرة جنوا ثمار غرسهم، ولا يمكن إضعاف دور الدين في حياة الشعوب. وعندما غزا نابليون مصر غزواً عسكرياً أراد أن يغزوها أيضاً غزواً ثقافياً بمحاولة تغريبها وفرنستها، ولكنه أدرك أثر الإسلام وتجذره في المجتمع، وحاول التقرب والتودد للمسلمين باصطحاب عدد من علمائهم وفقهائهم، مع سعيه للتودد والتقرب من الأزهر الشريف. إن مصر على أعتاب مرحلة جديدة، وإن أكبر التحديات أمام النظام الجديد هو التحدي الاقتصادي، ومصر تشهد انفجاراً سكانياً مطرداً، والأمن الغذائي يعتبر أكبر هواجسها، وكانت تصلها معونات في إطار علاقاتها وتحالفاتها السابقة، وإن الأمن الغذائي والأمن المائي والوضع الاقتصادي وسياساتها الداخلية لا تنفصل عن علاقاتها الخارجية على المستويين الدولي والإقليمي. ومن المتوقع أن تلعب معها القوى الأجنبية لا سيما أمريكا وإسرائيل ومن يدور في فلكهما لعبة القط والفأر، ورفع الجذرة تارة والعصا تارة أخرى، حتى تستبين الأمور وتتضح الرؤية، وتبعاً لذلك فإن النظام أمام تحديات ترتيب البيت المصري الداخلي من جهة، وترتيب العلاقات الخارجية من جهة أخرى. وبالطبع فإن الرئيس سيكون محاطاً بعلماء وخبراء ومخططين واستراتيجيين وهو يقود بلاده، أما العلاقات السودانية المصرية فهي تحتاج لوقفة منفصلة. ولعل الأمن الغذائي المشترك بين دولتي وادي النيل يأتي على رأس الأولويات. وفق الله الدكتور محمد مرسي رئيس جمهورية مصر الذي أضحى هو القائد الأعلى للقوات المسلحة بحكم أنه رأس الدولة، وسدد خطاه على طريق الخير.