في مرحلة دقيقة الانعطاف كالتي تعيشها بلادنا الآن، لا مجال فيها للمواقف الرمادية المائعة أو الانحيازات المستترة كالتي تفعلها ما يسمى بقوى الإجماع الوطني التي اجتمعت قبل يومين وأصدرت ما يسمى ب «نداء السودان»، وهو عمل غير صالح، وتلاعب سافر بالحقيقة وموالاة للفئة الباغية التي أشعلت الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ومثل هذه المواقف تضع أصحابها بلا شك في دائرة التواطؤ وإن حاولوا التدثُّر بثياب الحياد، وهي غلالات شفافة لا تحجب ما تحتها وتشف عن عورات هذه الأحزاب المعارضة وسوءاتها... الموقف الوطني الصحيح ليس هو اللواذ والركون لمنطق اللا موقف وفقدان الوزن والتوازن، أومحاولة البقاء في منطقة وسطى بين الحقيقة البائنة وما يخالفها، أو صياغة تموضع لأحزاب قوى الإجماع الوطني يتسق موقف الحركة الشعبية الحاكمة في دولة الجنوب وعملائها في السودان الذين جعلوا الحريق يلتهم ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. عندما تدعو أحزاب المعارضة ذات الحنين الجيّاش للحركة الشعبية وأزلامها في الشمال، إلى وقف الحرب والعمليات العسكرية وما ترتب عليها ووقف التصعيد الإعلامي والاعتراف بالحركة الشعبية بصفتها حزباً سياسياً في الشمال ورفض تحميلها مسؤولية بدء الحرب وشنها على الدولة، فإن هذه الأحزاب تكون قد خطت خطوة شديدة الخطورة في المساومة بقضية وطن وأمن واستقرار مواطن وخانت هذا البلد وشعبه. فأي رضيع أو دابة في أرض السودان تعلم أن هذه الحرب التي تخوضها القوات المسلحة، بدأتها الحركة الشعبية وسعرت جحيمها، وواجب القوات المسلحة هو رد العدوان وصده خاصة إن كان هذا العدوان هو حرب بالوكالة تخوضها قوات الجيش الشعبي بدعم من دولة أجنبية هي جمهورية جنوب السودان وقوى أخرى تريد تغيير الأوضاع في البلاد. فتعريف ما يجري في البلاد من ما يسمى بقوى الإجماع الوطني كما جاء في نداء السودان، في المبتدأ تعريف غير صحيح وفيه انحياز ملحوظ للحركة الشعبية ومحاولة مبطنة لتبرير فعلتها، فضلاً عن الدعوة الضالة إلى الاعتراف بها حزباً سياسياً مدنياً في السودان!! كيف بعد الذي حدث في جنوب كردفان والنيل الأزرق والتحالفات التي يعلن عنها في جوبا مع الحركات المتمردة في دارفور وإشهار الرغبة المجنونة في إسقاط النظام عبر العمل العسكري، وبدء تنفيذ هذا المخطط، كيف يمكن قبول الحركة الشعبية في قطاعها الشمالي حزباً مدنياً في السودان؟ كيف تنظر ما تسمى بقوى الإجماع الوطني بهذا المنطق المعوج والمعكوس، وهي أكثر العالمين أو بالأحرى أكثر الضالعين في صناعة الوهم الذي تعيشه منذ أن وطئت أقدامها أرض البلاد بعد اتفاقية نيفاشا في 2005م، لقد ساعدت هذه الأحزاب التي تسمي نفسها «قوى الإجماع الوطني» في زيادة التوترات وتضخيم حجم الحركة الشعبية منذ أن تحالفت معها في الكيان المهترئ السابق المسمى تحالف أحزاب جوبا في 2009م، ونسّقت مع الحركة الشعبية الأم في كل صغيرة وكبيرة بغرض تغيير النظام في الشمال، وباءت كل تلك المحاولات بالفشل ولم يُكتب لها نجاح لأسباب معلومة كلها تقدح في مصداقية أطراف تحالف جوبا وعجزها وسمة الفشل والإخفاق التي تلازمها دائماً، لعدم مصداقيتها ونفور الجماهير عنها وسقوطها في امتحان الوطنية الصعب والقاسي. كان يمكن لهذه الأحزاب أن تحتفظ بقدر ضئيل من الاحترام ، لو كان «نداء السودان» الذي أطلقته يتسق مع الواقع ويعبِّر عن جماهيرها قبل الآخرين، فالحديث عن مبدأ وقف الحرب، كلمة حق أريد بها باطل، فلو كان مسار الحرب غير الذي كائن الآن، أي لو رجحت لصالح الحركة الشعبية في النيل الأزرق وجنوب كردفان، لكان موقف ما يسمى بقوى الإجماع الوطني غير هذا الموقف، ولرأينا كمال عمر ممثل المؤتمر الشعبي ومريم الصادق المهدي وبعض نثارات ورزايا اليسار الأمريكي، يتأهبون فرحين لمساندة حلفائهم ولأسرفوا في الفرح الطاغي في انتظار انتصار حلفائهم والتعجيل بذهاب نظام الخرطوم، لكن رد الله الكيد في نحورهم وكشفتهم هذه التحركات والنداءات الخاوية والخاسرة كما خُلُوّ وِفاض أصحابها من أي موقف وطني مشرف!!