في أوائل السبعينيات من القرن الماضي وحينما كنا طلاباً بجامعة الخرطوم اشتهرت أغنية شعبية كان مطلعها يقول «حم حم تعال يا حمام شتّت ليك سكر». ولا أذكر المطرب الذي اشتُهر بها في ذلك الحين على أنها صارت شائعة وذات إيقاع راقص وجاذب وتزامن ذلك مع أغنية الفنان عبد الكريم الكابلي «سكر سكر» والأغنية التي ظهر بها الأستاذ نجم الدين الفاضل والتي يقول مطلعها «قالوا قطعة سكر»... ويبدو أن انعدام سلعة السكر في تلك الأيام جعل الناس من دون أن يشعروا مهتمين بسلعة السكر في أغانيهم وقدموها على غيرها من الأشياء الحلوة مثل العسل والبلح وبعض الفواكه التي لم ينسوها مع كل ذلك حيث طلعت علينا مجموعة البلابل التي يرعاها الموسيقار بشير عباس في العام 1972م، بأغنية «لون المنقة الشايل المنقة وما عارف كيف نحنا بنشقى» ومن الملاحظ أن التركيز في منقة البلابل كان منصباً على لونها وليس على طعمها... وكلمة «سكر» في أصلها ليست عربية ولم يعرف العرب وربما الأفارقة السكر إلا قريباً جداً... وقد كانت ثقافة العرب سواء في الجاهلية أو عهود الإسلام تعرف المذاق الحلو منسوباً فقط إلى العسل المصفى، حيث جاءت معظم الآيات والأحاديث النبوية والحكم والأقوال المرسلة في الأدب السني والشيعي والصوفي لتحكي عن أنهار العسل المصفى في الجنة ولم يرد ذكر السكر كواحدة من الأدوات المستعملة في التحلية... ولعلنا نخلص إلى أن السكر منشأه المناطق الحارة بتقسيماتها الجغرافية المختلفة سواء أكانت في المناخ الاستوائي أو المدارات الحارة والجافة... وربما كانت الهند ودول أمريكا اللاتينية هي السابقة على غيرها في إنتاج هذه السلعة التي بدأت بمحاولات فردية لتجفيف السوائل النباتية في القصب أو البنجر والجزر في صناعات يدوية صغيرة تطورت إلى ما نشهده اليوم من مصانع أدت إلى ظهور نوعيات ودرجات متعددة من السكر النقي أو المفلتر والسكر البني اللون.. ويقال إن سكر «الجقري» الذي يقوم بتصنيعه الأهالي في الهند في شكل صناعات حرفية في بيوتهم يمثل الآن أكثر من ستة ملايين طن يصنعها الفقراء في بيوتهم ويتم جمعها وتنسيق تسويقها عبر آلية مقبولة.. ويبلغ إجمالي إنتاج السكر في الهند أكثر من ثلاثين مليون طن. والمعروف أن بالسودان خمسة مصانع هي الجنيد وحلفا وسنار وعسلاية وكنانة، ويبلغ إجمالي إنتاجها حوالى سبعمائة وخمسين ألف طن في العام... يعني يا جماعة فقراء الهند الذين يسكنون بيوت الصفيح ينتجون لوحدهم عشرة أضعاف ما تنتجه كل مصانعنا... هذا علماً بأن السودان قابل وقادر على إنتاج السكر في كل مناطقه من حلفا وإلى نمولي ومن كسلا إلى الجنينة... طيب يا جماعة إذا علمنا أن عندنا «موية كفاية» وعندنا أرض خصبة وعندنا مزارعين بأطفالهم ونسائهم فيبقى أن ما ينقصنا هو «شوية تمويل» بالمرابحة أو المضاربة أو أية صيغة أخرى لتفعيل هذه الموارد حتى تنتج لنا سكراً يمكن أن نطلق فيه الأشعار والأغاني... ووفقاً للتقديرات الحالية فإن الفرد السوداني يحتاج إلى ما يقارب الثلاثين كيلوجراماً من السكر في العام وهذا يجعل الاحتياج الكلي لكفاية الأفراد تصل إلى ثمانمائة وخمسين ألف طن في العام، وإذا أضفنا إلى ذلك كمية السكر المطلوب لأغراض الصناعة والمقدرة بحوالى مائة وخمسين ألف طن والاحتياطي اللازم في حدود مائة ألف أخرى فإن محصلة الطلب الإجمالي بالسودان قد تصل إلى حوالي مليون ومائتي ألف طن سنوياً... يعني يا جماعة فقراء الهند والمعوقين منهم وذوو الحاجات الخاصة ينتجون ستة أضعاف احتياجنا القومي.. ونهنئ رئيس الجمهورية والقائمين بأمر إنتاج السكر بافتتاح مصنع النيل الأبيض بعد تعثر لازم انطلاقته الأولى ونثق في أنه سيكون دفعة قوية لإنتاج هذه السلعة التي لا نستهلكها وإنما تشاركنا فيها كل شعوب دول الجوار مثلما تشاركنا في غذائنا وأكلنا وشربنا... وغايتو يحلنا الحلّ بلة... كسرة:- ماذا تم في موضوع ترحيل الجنوبيين «الفاضلين» في السودان علماً بأن أربعة ملايين جنوبي يستهلكون على الأقل ثمانية ملايين كباية شاي في الصباح وثمانية ملايين في الفطور وثمانية ملايين في الغداء وثمانية ملايين في العشاء وزيادة استهلاك السكر في دول الجوار إضافة إلى «باقي» الجنوبيين الذين لم يرحلوا حتى الآن والذين ما زالوا «لازقين» وسيك سيك معلق فيك... وإذا كانوا قد أغلقوا أنبوب البنزين فكيف نغلق أنبوب السكر والشاي والملِه والسيت والشتة والبسل والفول وموية فول والأدس والأرز والعطرون والسعوط والسجاير.