عرض: عز الدين ميرغني - جمع وتحقيق الفاضل داراب هذه هي الطبعة الثانية لهذا الكتاب والذي كانت طبعته الأولى قد تمت في العام «2002م»، وقد قام بتقديم الكتاب في طبعته الأولى المرحوم عون الشريف قاسم.. والذي أثنى فيه بالمجهود الذي قام به الأستاذ الفاضل داراب لشاعر ملأ أسماع الناس بجيد القول، ورصين النظم، وطار صيته حتى تجاوز موطنه في البلاد، وانتظم كثيرًا في أنحاء السودان، معبقًا الآفاق بمدح المصطفى صلى الله عليه وسلم، على ألسنة المداح ونقرات الدفوف والطار ولكن معظم هذا الشعر غير مدون، مما ضاعف جهد الباحث وذلك لاختلاف الرواة، واختلاف أماكنهم.. ولم يكتفِ الباحث الفاضل داراب، بإيراد شعر أحمدون، وإنما قام بتمحيصه ومقارنته مع أشعار الآخرين في المناطق المجاورة لمنطقته، والباحث نفسه في مقدمته قد ذكر الجهد والمشقة التي قابلته في جمع هذه الأشعار. نشأ الشاعر أحمدون في مناطق الشمال في منطقة «حوض لتي» وهو حوض خصب للغاية، توجد في بطنه عناصر عربية نزحت إلى هذه المنطقة من زمان قديم من العبابدة والقراريش والبشاريين والكبابيش.. وهذه المنطقة الزراعية الخصبة أتاحت لهم الاستقرار والعيش الكريم. والشاعر أحمدون من مواليد العام «1887م» وتوفي في العام «1978م».. وقد ساعد تنقله وأسفاره في مصر في ثراء تجربته وثقافته ومعرفته.. وهو نفسه قد نشأ في بيئة دينية في منطقة دنقلا العجوز فقد تأثر الشاعر بجو القرآن والمدائح النبوية رغم أنه كان رجلاً أميًا.. وهو من قبيلة البديرية أبًا ومن الرباطاب أمًا.. ونشأته في منطقة دنقلا العجوز جعلته يأخذ ويتأثر بكثير من الكلمات النوبية الدنقلاوية والتي ظهرت كثيرًا في أشعاره. وشعر أحمدون لم يتوقف على المديح النبوي فقط وإنما مدح كرام القوم الذين كانوا يغيثون ويطعمون ويكرمون الجوعى والمساكين.. وقد كان يبدأ أغلب قصائده بالغزل كعادة العرب القدماء، وفيها يبدو تأثره واضحًا بالبيئة وألفاظ الساقية والزراعة.. رغم أنه لم يقل شعرًا بالرطانة كما قال الأستاذ الباحث الفاضل داراب.. ولكنه قد ضمنها في داخل نصوصه المكتوبة بالعامية العربية.. والبيئة الزراعية واضحة جدًا في أغلب أشعاره، فهو يذكر النيل والخضرة، والسواقة والحراتة وغيرها، مما جعل أشعاره فيها رومانسية طبيعية محببة، وفيها سلاسة وجمال خفي، وقد ساعده التنقل والسفر في تخزين كثير من المفردات والألفاظ. ومن أهم المزايا الشعرية عنده أن أغلب قصائده تمتاز كما يقول الباحث داراب بالمسحة الدينية، وإن كانت متفاوتة من قصيدة لأخرى بحسب الجو الشاعري الذي قيلت فيه. ومن أكبر الخصائص في شعره فهي أشعار المجاراة، وهي من أشعار الزمن المعاصر له، فالشعراء كانوا يخرجون لأجل شاعر بعينه أو شعراء في بيئة أخرى غير بيئتهم، ولو كلفه ذلك ركوب المخاطر لعدة أيام بلياليها، وقد جارى الشاعر أحمدون كثيرًا من شعراء هذه المنطقة منهم المادح المعروف «محمد ود سعيد والمادح «عبد الرحيم النقشابي» ومن منطقة الجعليين الشاعر الزبير الجعلي،ومن منطقة الشاعر نفسها الشاعر «ولد خدومة» وقد برع الشاعر أحمدون في كل الأشعار التي كتبها من أشعار الغزل والفخر، وانتهاءً بشعر مديح المصطفى صلى الله عليه وسلم. وكل أشعاره تمتاز بالرقة والسلاسة والعذوبة، وقد استطاع الباحث الفاضل داراب أن يقدم نماذجًا رائعة لهذا الشاعر الذي كان غير معروف إلا في منطقته، ويعتبر في رأيي أن هذا مجهودًا جبارًا يحمد عليه وهو لم يدون أشعاره فقط، وإنما قام بتمحيصها، وتصحيحها وله الفضل في دراستها وتوضيحها مما يجعل الكتاب دراسة فلكلورية رائعة عن هذه المنطقة الغنية بالتراث والعادات والتقاليد. وقد كانت دراسته أقرب للدراسة النقدية المتخصصة والبحث الفلكلوري الرصين مما يجعلنا نشجعه لكي يواصل بحوثه ودراساته عن هذه المنطقة وغيرها حتى يفيد الأدب السوداني.