لماذا تسمية الأمكنة والميادين والشوارع؟ ولماذا اُختير الأستاذ عبد الله عبيد في لجنة قومية لهذه المهمة؟ وهي اللجنة التي يرأسها البروفيسور يوسف فضل وبروفيسورات ودكاترة وأساتذة وشخصيات علمية وتاريخية وشعبية مرموقة أخرى. الأستاذ عبد الله عبيد شخصية غنية عن التعريف.. وهو بالاضافة الى أنه رجل سياسي ورياضي واجتماعي ونقابي وصحفي، فإن كاريزما الرجل تتحلى بالتنوع من حيث البشاشة واللطافة والكرم والطرافة، ومثَّل السودان رياضياً مع أساطير الكرة مثل صديق منزول، ثم كان عبد الله عبيد مسرحياً وصحافياً، وذاق السجون والنفي وهو سياسي، وسافر لعدة دول خارج السودان منها الصين والاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة ومصر ودول أخرى.. وهذا التنوع وما لا يتسع المجال لتفصيله أهَّله ليكون ضمن كوكبة هذه الجمعية المرموقة. وعبد الله عبيد أم درماني أباً وأماً وجداً، وهو جموعي وحبوبته قبطية مسيحية.. وسألته وأنا أجلس إليه بمنزله العامر بالثورة الحارة الخامسة. ٭ ما الذي جاء بك من طرف الشارع وقلب الشارع وبرلمان الشارع وأخيراً للجنة تسمية الشوارع؟ - «أجابني بابتسامته وضحكته المشهورة»: أنا ود أم درمان وأعرف عنها الكثير كما أعرف عن السودان.. وولدت بأم درمان 1929 وهذه اللجنة اُختيرت بعناية، وهي التي يرأسها البروفيسور يوسف فضل وآخرون ملمون بتاريخ البلد بل وبتفاصيل المناطق التي يمثلونها، واللجنة أيضاً منفتحة على كل فصائل المجتمع من صحافيين وشخصيات سودانية شهيرة وحتى ظرفاء المدينة، والقصد والهدف من تسمية الشوارع والميادين والمواقع الجغرافية والتاريخية والأمكنة المهمة »وقد تشمل حتى الشجر والدورانات والتقاطعات والصواني«.. القصد هو الارتقاء بمستوى لمدن السودانية لتكون في مستوى رصيفاتها العربية والافريقية »وبدل ما كنا بنوصف بي برميل الوسخ أو جنب كنتين فلان أو تلقى ليك خرابة أو يافطة واقعة«... يكون الوصف راقياً مثل ما يحدث مثلاً بمصر تقول: العجوزة شارع ابو الحسن الشاذلي عمارة رقم «9» شقة رقم «20». وذلك يسهل بالتأكيد للتواصل ويجعل من المدينة مدينة حضارية. ويحفظ لها تاريخها، كما أنه يخلد ذكرى رموزها الذين يمثلون العلماء والمفكرين والسياسيين والرياضيين والفنانين والصحافيين و....الخ. ٭ طيب يا أستاذ عبد الله عبيد... أنت قلت أنك من مواليد أم درمان جداً وحبوبةً... وأنا قرأت قديماً للأستاذ الطيب محمد الطيب في حوار معك قال فيه إن حبوبتك قبطية مسيحية؟ - «يضحك ويجيب»: جدي أحمد فضل المولى حارب مع المهدي، والمهدي بعد الانتصارات والفتوحات زوَّج أنصاره وبعض المحاربين معه المسيحيات »مصريات وأقباط«، فكان نصيب جدي أن تزوج حبوبتي واسمها بلسم عوض عبد المسيح التي أنجبت والدي عليه رحمة الله »عبيد« وأنا ولدت بحي المسالمة كما قلت 1929. ٭ عبد الله عبيد أنت رجل عرفت بالطرفة والنكتة وكتابك »ذكريات وتجارب« يحمل الكثير.. وأكيد من سير وتحريات وأعمال اللجنة وما تعلمه عنها... ونحن نعرف أن بعض الشوارع تجد مكتوباً عليها لافتة شارع فلان الفلاني، ويكون شخصية دينية مرموقة، وتحتها مباشرة تجد لافتة محل تجاري تقول »عماري الأستوب« فمثل هذه التناقضات قد تحكي عن المدينة بعض القفشات.. ما هي؟ فعلاً هنالك طرفة تقول إن أحد المواطنين من أهالي حي المقرن بالخرطوم اغترب لمدة طويلة، وحينما عاد بعد أكثر من عشر سنوات لاحظ أن لافتات مكتوبة على الشوارع بأسماء رموز عربية قديمة... فوقف في منتصف الطريق وصاح بأعلى صوته: يا أهل يثرب.. أين منزلي؟ ٭ «ويضحك الأستاذ عبد الله عبيد»، وسألته لكن يا أستاذ نجد أن بعض الدول مثلاً تسمي شوارع بأسماء آخرين من غير رموزها... وتسمية الشوارع لأهميتها أحدث بعضها أزمة سياسية بين الدول مثل تسمية شارع الاسلامبولي بإيران، فقد أحدثت التسمية أزمة مزمنة وجفوة بين مصر وإيران.. لذلك تأتي تسمية الشوارع والأمكنة ذات أهمية بحيث أنه ينبغي أن تراعى فيها الدقة.. هل يعني ذلك أنكم تسمون كل منطقة برموزها فقط؟ - اللجنة مازالت تباشر أعمالها ولم تعلن عن الأسماء بعد، ولا يعني أن تقتصر الأسماء فقط على أصحابها والمقصود هو الجانب القومي أيضاً. ٭ وماذا عن تسمية الدورانات والصواني وحتى الأشجار التي ذكرت أنكم تسمون بها؟ - نعم لو كان الموقع تاريخياً ومهما يسمى... مثلاً «شجرة الحضرة» بالفتيحاب التي جلس تحتها الإمام المهدي. ٭ وعن الدورانات مثل صينية الأزهري.. بالمناسبة صينية الأزهري أزيلت؟ - أنا شخصياً أرى أن موقع الأزهري محترم ولا بد أن يجد القدر الكافي للاحترام.. وألاحظ بهذه المناسبة أنه محطة، وهذا غير لائق بمكانة الزعيم الأزهري، وهو جزء مقدر من تاريخ السودان، وموقع منزل الزعيم الأزهري والدوران أو »الاستوب« الذي يقابله استراتيجي يربط بين أم درمانوالخرطوم بحري ويمر بشارع يؤدي للخرطوم وشمال أم درمان. لذلك فإن مشهد منزل الزعيم الأزهري حينما يتحول فقط لموقف للمواصلات ومكتظ طوال اليوم، فإن ذلك لا يشرفنا، وأنت تشاهد طريقة وقوف البعض غير الكريمة أمام هذا الموقع الذي يحمل اسمه دون أن توضع عليه لافتة للتسمية، ونتمنى أن تعيره السلطات قدراً من الاهتمام اللائق. ٭ الى أي مدى وصلت اللجنة لانجاز مهمتها؟ وهل قريباً سنراجع ونتذكر رموزنا وشخصيات أعطت وضحت من أجل هذا البلد؟ وهل سنجد ذكراها تسير معنا عبر الطرقات؟ - قطعنا شوطاً بعيداً حوالى 70 أو 80 في المائة من هذا العمل، ورصدنا أكثر من 1500 اسم، ومازالت اللجنة مفتوحة للجميع، ونحن نستعين أيضاً بالمحليات والمهندسين، وهنالك لجان فنية تقدم مشروعاتها، وندرس مقترحات الأعضاء لنرفعها للجنة القومية لتسمية المعالم الجغرافية بولاية الخرطوم. والشروط للذين يرشحون أن يكونوا من الذين تركوا بصمات سياسية وتاريخية وعلمية وأدبية واجتماعية، أو من الرياضيين والصحافيين، وفي مقدمة كل هؤلاء الشهداء الذين ضحوا بالغالي والنفيس. وودعني الأستاذ عبد الله عبيد بنفس قدر ترحابه من البشاشة، ووعد بلقاء جديد في الموضوع بعد أن »نكرِّم« قريباً للسماية. وخرجت من منزله العامر فقابلني دكان »سمك« طازج مشهور بالحارة الخامسة، وربما لا يحتاج لأن نسميه، ولو كان في الجيب متسعاً ستقودنا إليه الرائحة. ومن بعده ميدان يتوسط مدرسة وجامع ... وأكيد هذا الميدان يحتاج لتسمية، وتساءلت هل يسع لحجم الأستاذ عبد الله عبيد لنسميه باسمه؟.. ثم مررت بشارع زلط يتوسط الحارة الخامسة وهو أيضاً يحتاج لتسمية و»عجل« سمين للسماية، ثم وقفت بمحطة بشارع »النص« اسمها قديماً محطة المواسير نعوذ بالله من المواسير.. فهل يا ترى سيتغير اسمها؟ وهل شارع النص التاريخي الكبير في انتظار التسمية أيضاً، وهو أول شارع زلط، وأكيد سماية هذا الشارع ستحتاج «لثور» لأنه شارع الثورات.. ثم ركبت الحافلة حتى وصلت سوق »صابرين« وهو الذي يعبر باسمه عن حالة الشعب السوداني العظيم، وعدت أدراجي لحارة الصحافيين الحارة »مية« والتي يعاني سكانها هذه الأيام من كثرة «الحرامية».