وقعت مواجهات ساخنة بين السفير عبد الله الأزرق سفير السودان ببريطانيا من جهة والقائم بأعمال سفارة دولة الجنوب وناشطي منظمات ومختصين بشأن السودان من ناحية أخرى في ندوة نظمتها المجموعة البرلمانية الخاصة بالسودان في مجلس العموم البريطاني في يوم الإثنين «9» يوليو الجاري وذلك بمناسبة مرور عام على إعلان دولة جنوب السودان. وتحولت الندوة من مناسبة يُفترض أن تكون مثل احتفال عيد الميلاد إلى ما يشبه «الكمين» للسفير لكن السفير وفق في إجاباته وكان رابط الجأش في مواجهة الكثير من المناوئين للسودان. أدار الندوة عضو مجلس العموم رئيس المجموعة البرلمانية الخاصة بالسودان وجنوب السودان النائب وليم بين BAIN وشارك فيها لورد تشيقدي والبارونة كينك «وليس كوكس» مثلما حضرها لوردات ونواب برلمان بريطاني آخرون وعدد من المختصين والمهتمين بالشأن السوداني. وحُشد لها الجنوبيون ومنظمة ويدجنق بسيس المشهورة بعدائها للسودان ورعاية المعارضين خاصة من أبناء جبال النوبة والحزب الشيوعي ومتمردي دارفور، ولاحظ الصحفيون ضعف اللغة الإنجليزية لدى المتحدثين الشماليين عدا السيد عبد اللطيف مكي السيد الذي قال إنه من كوستي. بدأ السفير الأزرق حديثه بلهجة تصالحية وهنأ دولة الجنوب بعيد ميلادها الأول وأعرب عن رغبة وصفها بأنها حقيقية وصادقة لبلاده في إقامة علاقات حميمة تقوم على التعاون وحسن الجوار إلا أن معظم المتحدثين تباروا في الهجوم على السودان وأفرد معظمهم حديثه للوم السودان لكن السفير الأزرق تصدى لهم بحجج قوية واكتسب منطقه إعجاب المنصفين والمحايدين من حضور الندوة مما عرّى أهداف الطرف الآخر الذي اجتهد لتحويل المناسبة لمحاكمة الحكومة السودانية. تحدثت في الندوة الصحفية روز وين جونز التي قالت إنها عادت حديثاً من الجنوب حيث بلغت المعاناة حداً بعيداً ومن الصعب أن يجد المرء شيئاً إيجابياً للحديث عنه خلال العام المنصرم. وأشارت إلى أن عدد الجوعى بلغ «5» ملايين شخص تعمل الأممالمتحدة لتوفير الغذاء لهم وتحدثت د. سارة بنتليانو التي قالت إن ولاية البحيرات تعاني من نقص الأمن في شوارعها، وعرض القائم بأعمال دولة الجنوب بالسودان وقال إنه نال استقلاله قبل «50» عاماً لكنه لم ينجز شيئاً وعلل مشكلات بلاده بطبيعة مجتمعاتها السكانية والقضايا العالقة مع السودان. أما المبعوث البريطاني الجديد للسودان السيد روبن قوين فأشار إلى تبقي زمن قليل للبلدين لإحراز تقدم حول القضايا العالقة قبل أن تنقضي مهلة مجلس الأمن بموجب القرار «2046» وأن من المهم إحراز تقدم في الوضع الإنساني وأن الجميع يراقب تنفيذ الاتفاق الأخير الذي وقّعه السودان مع الأممالمتحدة والجامعة العربية والاتحاد الإفريقي. وتحدثت مواطنة من جنوب السودان بلهجة احتجاجية على فشل حكومة الجنوب التي وصفتها بأنها ضيعت سبع سنوات منذ تسلمها السلطة في الجنوب بعد اتفاقية السلام الشامل ونهبت كل الأموال وقالت إنها لا تجد أي شيء تصفق له في الجنوب وأنها لا تستطيع جراء الإخفاقات هناك أن تسمي هذا احتفالاً يُحتفى به ويُصفَّق له وشنَّت هجوماً على سلفا كير الذي قالت إنه جعل أول أولياته افتتاح الجناح الرئاسي في مطار جوبا في وقت تموت فيه الأسر والأطفال في الجنوب من الجوع وانتقدت الوجود الكثر للمنظمات الدولية في الجنوب وهي تكتب التقارير عن عدم وجود قدرات بشرية في حين أنها تحمل درجة الدكتوراه في الهندسة الكيمائية وعرضت نفسها على المسؤولين في الجنوب فلم يعيروا مؤهلاتها انتباهاً مثلها مثل الكثيرين واستنكرت العدد الضخم من المستشارين الأجانب في جوبا. وفي فقرة الرد على الأسئلة قال السفير الأزرق إنه ليرد بالدليل على ادعائات سبق أن صدرت عن مكتب كبير أساقفة كنتربري حمل له صور الكنائس الخمس بمدينة كادوقلي بعد أن ادعى مكتب كبير الأساقفة أن الحكومة حطَّمت هذه الكنائس وأنه دعاه لزيارة المدينة ليتأكد أكثر من عدم صدق تلك الدعاوى. ورغم ذلك انبرت له شابة من جبال النوبة واتهمته بأنه لم يقل الحقيقة وأن الحكومة السودانية ضربت وحطَّمت جميع كنائس كادقلي.. السفير من جانبه أعلن أنه مستعد لمنح النائب وليم بين تذاكر سفر حتى كادقلي وتأشيرة إكرامية فإن وجد أن ما ادعته تلك الفتاة صحيحاً فسيستقيل من منصبه ويعلن ذلك على الملأ.. وسألت الصحفية روز السفير السوداني بصورة ساخرة عن من يقتل المدنيين في جنوب كردفان والنيل الأزرق فلفت انتباهها إلى أنه من المهم الرجوع لجذور المشكلة مشيراً إلى رفض عبد العزيز الحلو لنتائج الإنتخابات التي خسرها والتي شهد مركز كارتر بأنها حرة نزيهة ولجوئه لخيار الحرب مضيفاً أن أية حكومة مسؤولة لها الحق في التصدي للتمرد نافياً قتل المدنيين كسياسة.. شنَّت ممثلة منظمة ويدجنق Waging Peace هجوماً عنيفاً على السفير وبخاصة قوله إن الرئيس جلب السلام للسودان، وقالت إن السلام لم يتحقق لولا ضغط المجتمع الدولي وإن الحكومة السودانية هي التي جلبت الحرب والتهميش والتطهير العرقي والإبادة الجماعية.. رد عليها السفير الأزرق قائلاً إن الإعلام الغربي والمنظمات تضخم الأحداث بالسودان بصورة مثيرة مستشهدًا بمبالغات المبعوث ناتسيوس الذي قال إن الحرب قتلت «5» ملايين جنوبي وادعاء حرق كنائس كادقلي.. وحول دعاوى الإبادة الجماعية قال إن منظمة أطباء بلا حدود التي كانت على الأرض نفت هذه الدعوى، كما نفاها المبعوث الأمريكي للسودان أندرو ناتسيوس الذي قال إنه أُجبر إجباراً على وصف ما جرى بالإبادة، ولأن ذلك كان السياسة المعلنة لإدارة بوش كما نفاها المبعوث الأمريكي جون دانفورث في برنامج «بانورما» في هيئة الإذاعة البريطانية وقال إنه مستعد لتعداد جهات أخرى ذات صدقية نفت دعاوى الإبادة.. وأضاف السفير أن الشعب السوداني شعب عزيز لا يقبل شيئًا في كرامته وأنه سيُسقط أي حكومة تضطهده وتهمشه كما جرى للحكام الدكتاتوريين في عامي «1964» و«1985» وحول اتهامات ممثل دولة الجنوب لفت السفير انتباه الحضور إلى الطريقة العدوانية التي يتحدث بها القائم بالأعمال الجنوبي مفتخراً أنه تحدث بصورة فيها الكثير من الحكمة والروح التصالحية لعلمه أن بداية الحرب الكلام.. وكان ممثل الجنوب قال إن الرئيس السوداني قال إن حكومته والحركة الشعبية لن تسعهما حدود البلدين وإن التمرد الذي كان في الجنوب تدعمه حكومة السودان.. فرد عليه السفير الأزرق بأن حديث رئيسه إنما جاء في أعقاب احتلالهم لهجليج وتدميرهم لمنشآت نفطية كلفت السودان مئات ملايين الدولارات وأن تلك التصريحات إنما كانت رد فعل لذلك العدوان.. لفت السفير السوداني انتباه الحضور وخاصة أعضاء مجلس العموم واللوردات في استعارته لعبارة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرتشل وذلك لدى رده على الشابة من جبال التوبة التي قالت إن الحكومة السودانية ضربت الكنائس الخمس بكادقلي، وذلك بأن التفت إلى مدير الندوة النائب وليم بين وخاطبه قائلاً «إننى كدبلوماسي لا أستطيع استخدام كثير من الكلمات ولكن سيد بين ما هو البديل البرلماني لكلمة كذب ? Mr. Bain what is the Parliamentarian word for lie ولدى اتصال «الإنتباهة» بالسفير الأزرق للتعليق على ما ورد في هذا التقرير امتنع سيادته عن التعليق قائلاً إنه لن يعلق إلا بعد وصول توجيهات من رئاسته واكتفى بالتعبير عن عميق أسفه على مشاركة شماليين في التهجم على بلادهم ودعم موقف أعدائها الأجانب.