ولأن الغربة لم تحقق له أمنياته وطموحاته ولأنها في نظره خدعة كبيرة لا تساوي ثمن التفكير فيها خاصة لشخص مثله لم يقرأ ولم يتعلم فكر في العودة للوطن ولكنه كان يبحث عن سبب وعن مخرج يقوده عبر البحر الأحمر إلى بر الأمان. كان عمله مرهقاً يصحو الساعة السابعة صباحاً يذهب إلى عمله ليعود منه الساعة العاشرة مساء.. هكذا كل يوم لا راحة ولا قيلولة ولا نوم فصار منهك القوى مرهق الجسد يتوكأ على أحزانه وتجده يجلس بعيدًا يفكر في حاله ويتذكر ما قاله له صديقة يا «زول أحسن نموت ونحيا في بلدنا دي» ويقول في صمت قاتل «يا ريت لو سمعت كلامو» ويندم حيث لا ينفع الندم فالغربة هذه مثل الجب تقع فيه لن تستطيع الخروج منه بسهولة إلا عبر نجدة ولكن من يكون نجدته في هذه الدنيا. ذات يوم وبينما هو جالس سارح مع أحزانه رن هاتفه نظر إليه وكان يعتقد انه صاحب العمل فأخذه ودون أن ينظر إلى المتصل رد عليه: الو ليأتيه من الطرف الآخر صوت صديقه يا حبيب سلامات وينك يا أخي قاطع أخبارك ليه ما بتتصل وتسأل وإلا خايف نقول ليك رسل لينا فيزا. وكادت تطفر دمعة من عينيه وقفزت إلى رأسه آلاف الذكريات من الطفولة والشباب وأيام خالدة في الذاكرة فقال له: فيزا شنو يا أخي والله العظيم انتم اسعد ناس ويا ريت سمعت كلامك وقعدت في بلدي دي غربة سجم ما ليها حدود ولا بنصل فيها لي ميس أخباركم شنو يا زول وكيف عاملين وكيف الأهل كلهم وامي وابوي كيفنهم. يا زول والله تمام التمام أنت أخبارك شنو طمنا عليك أنا تمام الحمد لله لكن والله بالجد كرهت الغربة وعايز ارجع لكن كيف ما عارف؟ يا زول والله نحن هنا مبسوطين تب يعني ما سمعت بالذهب. ايوه سمعت بيهو لكن والله ما صدقت هل صحيح في ذهب واللا ده كلام ساكت. والله أقول ليك حاجة أنا أسي أحدثك من الخلا ولا حدي الآن لاقين لينا قريب عشرين جرامًا وكمان أقول ليك بتعرف عثمان ود محمد أمس لقى ليهو قريب كيلو جاء شايلو قدامنا وشفناه بي عيونا. يا راجل يعني الكلام ده حقيقة أي والله أقول لو كدي يا بلد جاك راجل خلاص أنا من محلي ماشي لي كفيلي انهي إقامتي وأجي والساويها الله تبقى. والله ما عارف أقول ليك شنو لكن الشغلة هنا أحسن من غربتكم اللي ما مفهومه دي أنت يا زول أسي ليك أكثر من خمس سنوات عملت شنو اهلك ما قادر ترسل ليهم زي الناس عليك الله بلا غربة بلا كلام فارغ تعال راجع لي بلدك. اواصل