..(معليش، آسف، لو سمحت...) كلمات يبدو أن الزمن عفى عنها وأصبح مجتمعنا يفتقدها وبشدة؛ فهذه الكلمات البسيطة لها مفعول السحر على قلوب وآذان الناس وتجعل تعاطي المشكلات أكثر سلاسة ومنطقية، فتتحول أكثر المشكلات تعقيداً إلى أحاديث عابرة لا يختلف عليها اثنان.. اختفاء عبارات سعة الصدر التي تُذيب الصخر يجعلنا نتساءل عن أسباب افتقادها وتأثيرها على التكوين المجتمعي وخاصة النشء الجديد الذي تسيطر عليه وسائل التكنولوجيا الحديثة فأصبحت له خير مُرشد ودليل.. (البيت الكبير) حاول الاستقصاء عن أسباب ما يحدث وخرج بالآتي: الكلمة الحلوة بلسم.. التقينا الحاجة مريم حسين «ربة منزل» عندما سألتها عن غياب المحنة والاعتذار بين الناس اعتدلت في جلستها وأجابتني بابتسامة دافئة: «يا حليل أيام زمان»، فقد كانت قلوب الناس مليئة بالمحنة والحب والخير لكل الناس ولم يكن هناك ما يستدعي الأسف والاعتذار لوجود الاحترام والتقدير وكانت الحياة تسير بصورة طبيعية، والكلمة الحلوة بلسم لأي خصام أو زعل، ولكن الآن أصبح الكل لا يطيق حتى نفسه فكيف يتحمّل غيره؟ ومن يتعلّل بشماعة الظروف المعيشية الضاغطة فهو مُخطئ ولا يدري عاقبة ذلك، فديننا الحنيف يأمرنا بسعة الصدر والحُلم وطول البال والاعتذار عند ارتكاب الخطأ.. ثقافة الاعتذار.. احتواء نفسي.. بينما يعتقد عبد الخالق علي «موظف» أن الظروف الاقتصادية الراهنة هي السبب في ضيق أخلاق الناس واستفزازهم السريع؛ وقال: إن الشخص تراه يسير في الطريق وذهنه يفكِّر في كيفية تدبير مصاريف الأكل والشرب والعلاج... إلخ وأحياناً يصطدم بك ويسير في حال سبيله دون أن يقول لك آسف أو معليش.. وأجزم بأن التعامل بثقافة الاعتذار لاحتواء شرارات المشكلات الصغيرة له بالغ الأثر في التكوين المجتمعي والنفسي للناس.. مفعول السحر.. أما منال عطا «طالبة» فأرجعت اندثار ثقافة الاعتذار إلى طبيعة التربية التي يقوم عليها الشخص؛ فإن تأمّل الناس مفهوم السلوك الاجتماعي القويم والتفهم لمفعول الاعتذار السحري لما تشعبت المشكلات والخصومات بين الناس ولهذا يجب البدء من المنزل، فإذا وجد الطفل أن أفراد أسرته يتعاملون وفقاً لطبيعة الأشياء باستخدام أسلوب الاعتذار فلا بد أنه يقوم عليه.. تذويب القيم الراسخة وكان رد أحمد السيد «معلم» غاضباً على سؤالي بقوله: كيف نجعل المجتمع يتعامل بثقافة الاحترام والتقدير من خلال الاعتذار.. كيف ذلك ونحن نُربي أبناءنا عليه ونجد أن الشارع قام بإزالته؟ أين الآباء والأمهات وأين الدور التكاملي ما بين الأسرة والمنزل والمجتمع ولماذا ينشغل الناس عن تثبيت الأخلاقيات الجميلة بتذويب القيم الراسخة لمجتمع فاضل.. الإصرار على الخطأ ابتدرنا عثمان الشيخ «تاجر» بقوله إن ثقافة الاعتذار يرى البعض أنها انتقاص من شخصيته وكرامته وينأى بنفسه عن الاعتذار للغير ويحاول أن يستتر خلف رفع الصوت والوقوف على المبدأ الخطأ وهو سلوك غير قويم، ويقلل من مكانة هذا الشخص وسط مجتمعه، ونحن في السوق تصادفنا الكثير من هذه النماذج ولكننا أصبحنا على دراية بكيفية التعامل معها وأحياناً نقدم لها النصح السديد عسى ولعل أن يفعل بها.. الاعتذار.. وسيلة النقاء الروحي عندما توجهنا بسؤالنا للأستاذة اعتدال الصديق «خبيرة علم الاجتماع» عن أسباب اندثار ثقافة الاعتذار بين الناس أجابتنا بأنها أي ثقافة الاعتذار لم تندثر ولكنها غير منتشرة داخل المجتمع بصورة واسعة، وأكدت أن الاعتذار من آليات التسامح التي تجعل الناس يعيشون في سلام ووئام ويؤدي إلى تقوية العلاقات لما فيه من نقاء وصفاء، واستدركت بقولها: إن من يعتذر يأنس في نفسه الثقة ولا يُصر على خطأه وأيضاً نجد على النقيض من تأخذه العزة بالإثم فلا يقوى على الاعتذار ولا يقبل الحوار الذي يُوصل إلى نتائج إيجابية وبذلك نجد أن إصراره على موقفه المتعنت يؤدي إلى نتائج سلبية والعكس صحيح، أشارت إلى ضرورة أن يجتهد الفرد في عدم تكرار الأخطاء حتى لا يتخذ الاعتذار وسيلة سهلة.