«لازم تعتذر»! «والله ما بعتذر عشان يقول انكسر لي» «اعتذر ليه؟» «أنا ما غلطان من المفترض هو اليعتذر» «اعتذر؟. وكرامتي وعزة نفسي؟». هكذا يتفوه اغلبية الافراد حينما يحدث من احدهم خطأ. ولا يبادرون بالاعتذار ابداً حتى ولو أدى هذا الخطأ الى انقطاع العلاقة مدى الحياة. وهنا يكمن عدم انتشار ثقافة الاعتذار وافتقار الشعب السوداني لها بالرغم من سماحة المواطن السوداني وقلبه الكبير الذي يتدفق محنة وكرماً ووفاءً. ويعتبرون الاعتذار ضعفا وانكسارا واهدار كرامة. لكن نجد كثيرا من شعراء السودان قد تغنوا للاعتذار، لكن من الواضح ان اعتذار الحبيب للمحبوب هو المسموح به، وفي بعض الاحيان يقابل بالرفض وعدم القبول «بعد ما فات الأوان الليلة جاي بتعتذر» «واعتذارك ما بفيدك» «سامحني غلطان بعتذر»، «مسامحك يا حبيبي». هذه الاغاني عن الاعتذار تغنى بها بعض الفنانين لكن هل يا ترى مثل هذه النماذج مرت على اشخاص؟ «الدخل البطون ما بغسلو الصابون»: الاعتذار سمة حضارية مفقودة في مجتمعنا السوداني. هذا ما ابتدرت به غادة حديثها وقالت «الدخل البطون ما بغسلو الصابون» هذه العبارة من وعينا في الدنيا وجدنا أمهاتنا يقلن بها عندما تحدث مشادة أو مشكلة، ولما الواحد يقول خلاص معليش ما حصل شيء، الواحدة أول ما يخرج من لسانها تقول «هوي بعد ايه الدخل في البطون ما بغسلو الصابون»، وفعلاً في بعض الأحيان الاساءة بتكون في قمة المبالغة لدرجة أن الانسان لا يقبل الاعتذار، لكن المؤمن بطبعه مسامح لا يمسك في قلبه شيئاً وممكن يسامح لكن لا يعتذر، لانه اذا اعتذر لأحد يعتبرها تقليلا من قيمته وكبريائه، وفي بعض الاحيان الشخص الذي تعتذر إليه لا يتقبل العذر. فقاطعتها هل انت اعتذرت لشخص ما. فقالت غادة نعم اعتذرت لشخص لأني ارتكبت في حقه غلطاً، ومن واجبي ان اعتذر له حتى يسامحني، لكن للأسف كان رده معليش ما في مشكلة لكن الدخل البطون ما بغسلو الصابون، لذلك هذه العبارة راسخة في ذهني. «سامحني غلطان بعتذر»: وفي نفس السياق قالت هيفاء ان التسامح والاعتذار صفة حلوة، ودائماً يتصف بها الانسان ذو النوايا الطيبة والقلب الطيب الذي لا يحمل شرا وحقدا وغير عدواني، وهو انسان ذو تعامل راقٍ وحضاري. هذا وصف من هيفاء للانسان الذي يبادر بالاعتذار. وأبانت اذا مرّ عليها موقف وزعلت من شخص لا ترتاح ولا يهدأ لها بال، ولا تستطيع ان تعيش حياتها الطبيعية، إلا بعد أن تعتذر بكل الطرق «حتى يسامحني ويعفو عني». واضافت أن الناس الذين ينظرون للاعتذار بأنه ضعف وذلة وخوف هذا مفهوم خاطئ وينشر الحقد والبغضاء بين الناس، وتعتبر أي شخص ينظر للاعتذار بهذا المفهوم متخلفاً وذا قلب أسود. وقالت ليس منا من هو معصوم من الخطأ، والجميع يخطئ.. لكن هذا الخطأ من المفترض ان يقابل بالتسامح والاعتذار، فمثلاً أنا كثيرا ما اعتذر عن خطأ، لكن في اللحظة بحاول اصلح ما انكسر واتعامل بمقولة «سامحني غلطان بعتذر» وبعدها ارتاح واشعر بأن جبلا ازيح من على صدري، وبالعكس الانسان الذي يبادر بالاعتذار هو إنسان شجاع وليس منكسراً أو ذليلاً. «مسامحك يا حبيبي» أما فاطمة فقالت بالرغم من ان الشعب السوداني يشتهر بالطيبة والتسامح، لكن لا يمكن ان يعتذر الشخص للآخر اذا حصل بينهما سوء فهم، لانهما يفتقران الى مفهوم الاعتذار ويعتبرانه اهانة وذلا وتدخلا في مسألة الكرامة والعزة، وهذا خطأ فادح يساعد على زرع الفتن والكراهية والبغضاء. وقالت إن الاعتذار أنواع، وكذلك اسباب الزعل والشخصيات، فمثلاً الاعتذار يختلف من شخص لآخر، فنجد بعض الناس في سبيل الحب يقدمون كل فروض الاعتذار للحبيب حتى اذا كان هو الغلطان، باعتبار أن الحب لا يعرف الكبرياء، واذا مارس احد الاطراف أسلوب التعالي والكبرياء سيفقدونه، لذلك لا بد من بعض التنازلات اذا اخطأ أحدهم. وقالت اذا مررت بموقف كهذا سأقدم كل فروض الطاعة والولاء والاعتذار من أجل الحبيب، لكنها تستدرك وتقول اذا احست بأن الحبيب مخلص لها وهو يستاهل الاعتذار فإنها لا تتردد ابداً، وهي من مؤيدي مسامحة الحبيب وعدم عتابه، وتعتبر أي زعل بينهما ان يكون كسحابة الصيف وتعدي. «اعتذارك ما بفيدك»: ووصف مصعب الاعتذار بأنه من اصعب الاشياء بالنسبة للانسان، لان عقلية من تعتذر إليهم تختلف، فمنهم من يعتبره بادرة جميلة والبعض الآخر يعتبره ضعفا وانكسارا، لذلك الفرد منا يتردد ألف مرة حتى ينصاع الى أسلوب الاعتذار بالرغم من انه من أبسط أساليب الصلح والحب بيننا، لكن للأسف كأنه جريمة وعار حتى يصفوا المعتذر بأنه ضعيف وذليل، لذلك نجد جميع الناس تكابر ولا ترضى ان تعتذر حتى اذا كان من الواجب ويصلح ما انكسر وما فسد، وقال مصعب إنه يعتبر الاعتذار ثقافة والشعب السوداني يفتقدها نسبة لمعتقدات راسخة لا تنفع. وكذلك نجد بعض الناس يمارسون ثقافة الاعتذار لكن يقابلون بالصد وعدم القبول، وهذه أكبر مشكلة تجعل الفرد منا لا يعتذر، وحتى اذا أراد ان يعتذر يخاف من الاحراج، ويقال له «اعتذارك ما بفيدك». ولا بد لنا من وقفة مع أحد اختصاصيي علم النفس لتشريح ثقافة الاعتذار التي نفتقدها، وقالت الاستاذة حنان عوض إنها جزء من التنشئة الاجتماعية التي تخلو من الكثير من المضامين الاجتماعية الايجابية التي ترتبط بالسلوك وبفن التعامل وآداب القراءة الجيدة للواقع الذي يتحرك من خلاله الانسان، وثقل الميراث الاجتماعي اثر كثيراً في التركيبة النفسية السودانية التي تخلو من هذا الفن الراقي الذي يعكس التطور المجتمعي للتعامل الخاص. وابانت حنان ان هنالك سلبية في المنهج السلوكي للغالبية العظمى التي بنيت على خواء تعاملي لا يرتبط مطلقاً بأي اسلوب راقٍ ايضاً. وقالت إن هناك اختلالا كثيرا في التقديرات الاجتماعية لمعرفة الأنا والتعامل مع الذات وانعكاساتها مع الآخرين، أي نحن نميل للعنجهية والغرور غير الموظف في تعاملنا اللائق مع الآخرين، وفي كيفية المبادرة في أدب نرتقي به سلوكياً عندما نتعلم أدب الاعتذار، واضافت أن هنالك التشبث غير الواعي واشكالية المناخ الجغرافي وتأثيره على السلوك العام، أي اننا نوظف الانفعالية ونضطهد العقلانية تجاه تصرفاتنا في كل المحيط، وقالت ان هذه التراكمات جعلت الانسان السوداني غير ميال لهذه الثقافة الراقية، وبالتالي ظهرت كثير من الانفراطات السلوكية تجاه ظواهر بسيطة، لكن للأسف نطورها لحد الجريمة، أي اننا نغيب العقل الواعي والثقافة النموذجية لفن التعامل، وبالتالي تختلط المعايير بين السلبية والايجابية، لذلك يصعب على النفس قيادة مبادرة لارساء الاعتذار بتذويب هذا المنهج السلوكي.