الدكتورة آمال السيد محمد الأمين من بنات العيلفون تلقت جميع مراحلها التعليمية.. الابتدائية والمتوسطة ثم الثانوية بالعيلفون، تخرجت في جامعة أم درمان الإسلامية كلية الدراسات الإسلامية تخصص علوم قرآن. ونالت الماجستير والدكتوراه في نفس التخصص، وتعمل الآن محاضرة بالمملكة العربية السعودية التقتها «الإنتباهة» عبر زاوية حصاد الغربة لتحكي لنا مسيرتها مع الغربة.. ٭٭ كيف ومتى بدأت غربتك؟ بدأت غربتي منذ أن فكرت في التقديم للتدريس في الجامعات السعودية، قدمت السنة الأولى لكن لم يحالفني الحظ، ولم أيأس فقدمت للمرة الثانية، وجلست لمعاينة وتم اختياري، وبدأت في الإجراءات وكانت صعبة ومعقّدة جدًا وأخذت واستمرت أكثر من شهر، وهذه لم تكن المرة الأولى التي أزور فيها المملكة فقد زرتها من قبل للعمرة، ولكن هذه الرحلة تختلف عن تلك لأنها كانت من أجل العمل وذهبت برفقة أبنائي فاستقبلتنا إدارة الجامعة بحرارة ورحبوا بنا وقمت بإجراءات التسليم والتسلم والمباشرة. وقد كنت أحمل تخصصًا نادرًا، ولا يوجد آنذاك إلا في جامعة الملك خالد بالرياض لذلك فرحوا بي واستقبلوني استقبالاً طيبًا، وكانت عميدة الجامعة آنذاك شخصية مصرية كانت تقول لي: «إن السودانيين سوف يساعدونك في اختيار الشقة وتجهيزها فهم متعاونون ومتكاتفون ولن تشعري معهم بالغربة»، ودائمًا كانت تقول لي إن: «السوداني يزرع سوداني والمصري يقلع مصري» وهذا الحديث من عميدة الجامعة أثار في داخلي شيء من الاطمئنان، وقد حدث ذلك بالفعل، فالسودانيون لم يقصروا معي، ولم يخذلوني ثم بعد ذلك بدأت في إجراءات إلحاق أبنائي في المدرسة وإدماجهم في المجتمع بجانب أنني بدأت العمل فور حضوري واستوعبته بسرعة بالرغم من أن المجتمع غريب ويختلف في طريقة التدريس والمجتمعات هنا أيضًا متغيّرة. ٭٭ أكثر مالفت انتباهك في الغربة؟ الحضور والانتظام، والدوام يبدا من السابعة صباحًا وينتهي الثانية ظهرًا بجانب قبول الأرانيك المرضية والأعذار الشرعية، خلاف ذلك التدريس في مجتمع شرعي لأنه لا يوجد اختلاطًا، وما أذكره هنا أن الطالبات يتعاملن معنا باحترام شديد، ونحن محل ثقة وتقدير بالنسبة لهن بخلاف الجنسيات الأخرى كما أن هنالك صفات مشتركة بيننا وبين الشعب السعودي كالأمانة والصدق والإخلاص والمحبة، وبعض الطالبات يصرحن بذلك، وأضافت: أن مهنة الأستاذ الجامعي تعتمد على الضمير ويجب الالتزام بالقوانين. ٭٭ ما هي المشكلات التي واجهتك مع أبنائك في الغربة؟ عانيت مع العيال معاناة كبيرة جدًا أولاً: التعليم بالمملكة صعب جدًا، درست مناهج الابتدائية والمتوسطة والثانوية لكني وجدت المناهج العلمية والتربوية غزيرة وليست أقل من منهج السودان في قوته، والمشكلة تكمن في عدم وجود توصيل للمعلومات وفاقد الشيء لا يعطيه، وأساتذة المرحلة الابتدائية غير مؤهلين لتوصيل القواعد والمواد العلمية والأدبية، ويعتمدون في الحساب على الآلة الحاسبة والوسائل التقنية، وقد اجتهدت كثيرًا مع أبنائي حتى أوصل لهم المعلومات وحتى لا يتدهور مستواهم الأكاديمي ودائمًا ما استفيد من الإجازات عندما أحضر إلى السودان وأحاول رفع مستواهم الأكاديمي في بعض المواد خاصة في الرياضيات والإنجليزي والتقنيات الحديثة من إنترنت لكن الجوالات شغلتهم كثيرًا عن الدراسة وأصبحوا ليست لديهم رغبة في الدراسة، وأيضًا يميلون كثيرًا إلى اللعب بشكل أكبر من التحصيل الأكاديمي، وهذا ما يزعجنا في الغربة. ٭٭ لماذا لم تُلحقي أبناءك بالمدارس السودانية؟ لأن المنطقة التي أسكن بها لا توجد فيها مدارس سودانية وهي تبعد عن الرياض بثلاث ساعات، لذلك دعتني الضرورة لإدخالهم مدارس سعودية حكومية أو أهلية وحتى المدارس التي بها أجانب تحصيل حاصل أي أنها غير مفيدة. ٭٭ ماذا عن دراسة أبنائك بالجامعات السعودية؟ سمعت أن هنالك قانونًا صدر منذ العام الماضي يسمح لأبناء الأساتذة الجامعيين من الحاق أبنائهم بالجامعات السعودية وبدأ القرار ينفّذ في بعض المناطق بالمملكة. ٭٭ ما هو تقييمك لغربتك؟ معاناة ونحن ندفع في ضريبة وثمنها غالٍ من أجل العيال وهم ثمرة استثمار في حد ذاتها إذا تم التأهيل اللازم. ٭٭ أصعب شيء مرّ عليك في الغربة؟ البعد عن الأهل وتراب الوطن وأنا أعاني لأن زوجي ليس معي في الغربة، وعيالي لحالهم وهم محتاجون لأبيهم وعندما يصاب أحد من أبنائي بمرض أحس أن الدنيا تضيق في عيني، وعندما أقارن من أجل ماذا اغتربت هل من أجل راحتهم أم من أجل الفلوس، ولو أن بلدنا وفرت لنا وضعًا ماديًا واجتماعيًا مناسبًا لما كنا فكرّنا في الهجرة والغربة عذاب. ٭٭ هل قررتي انهاء أجَل الغربة؟ بالتأكيد قررت ترك الغربة، وأنا لا أتوقع من أي مغترب يقول إنه سعيد في الغربة، وأنا أنهيت عقدي بعد ثماني سنوات من أجل ابنائي لأنهم لا بد أن يدرسوا الجامعة في السودان.