ظلت العلاقة بين السودان وعدد من دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا تتسم بالعداء وفقًا لتبريرات شتى من قبيل حقوق الإنسان ووقف الحرب الدائرة في بعض المناطق، وما إن يفي السودان بالالتزامات التي تؤهله لرفع سيف العقوبات المفروضة ضده كما في توقيع اتفاق السلام الشامل «2005» إلا وتخرج تلك الدول بحجج أخرى لاستمرار تلك العقوبات والحيلولة دون تمتعه بالقروض المقدمة من مؤسسات التمويل الدولي فضلاً عن حرمانه من إعفاء ديونه وفقًا لاتفاق الهيبك ومن ضمن أوجه المقاطعة الاقتصادية التي تتضرر منها البلاد المشكلات التي تعانيها شركة الخطوط الجوية السودانية التي تجابهها إشكالات عديدة بسبب حظر قطع غيار الطائرات الأمريكية وهناك مصنع سكر النيل الأبيض الذي تأجل افتتاحه المعلن بتاريخ الخامس من أبريل الماضي لأن الشركة الأسترالية التي تعاقد معها المصنع لا تملك البرنامج التشغيلي للمصنع بل تملكه شركة أمريكية امتنعت عن تقديم البرنامج للسودان ضمن حزمة العقوبات الأمريكية عليه مما دفع وزير الصناعة عبد الوهاب لتقديم استقالته التي رُفضت ليتم بعد ذلك افتتاح المصنع الأسبوع المنصرم ليعلن الرئيس البشير حظر جميع شركات الدول المعادية للسودان في معاملات البيع والشراء والتوجه لاستقطاب الدول الصديقة لتقاسم الفائدة من المشروعات التي تقام بالبلاد، وكان الرئيس أصدر قرارًا في العام «2009» طرد بموجبه عددًا من المنظمات الأوروبية والغربية العاملة في دارفور، ورغم الوساطات الدولية التي تدخلت للإبقاء عليها واعتراض بعض الجهات الداخلية على القرار باعتبار آثاره السلبية على البلاد إلا أن القرار الرئاسي مضى دون عودة للوراء. أما أمريكا فهي لا تزال تضع السودان في قائمة الإرهاب رغم أن مبعوثها السابق إسكوت غرايشون صرح يومًا بأن السودان من أكثر الدول التي تعاونت مع بلاده في الحرب على الإرهاب بجانب عقوباتها الاقتصادية التي أضرت بالبلاد فضلاً عن انحيازها لدولة الجنوب صراحة على حساب السودان. وفي تفسيره لقرار الرئيس أوضح الخبير الاقتصادي د. محمد الناير أن السودان لن يتضرر كثيرًا من القرار باعتبار أن الدول المعادية للبلاد محدودة تتمثل في أمريكا وبعض دول الاتحاد الأوروبي وذهب في إفادته ل«الإنتباهة» الى أن قرار الرئيس جاء في سياق افتتاح المصنع الذي تأجل بسبب امتناع الشركة الأمريكية بتزويد المصنع بالبرمجيات المطلوبة لتشغيل المصنع ولم يستبعد فرضية أن بعض الشركات الأوروبية أو الأمريكية التي تشارك في مشروعات بالبلاد بطريقة غير مباشرة بأن تكون لها أسهم في شركات هندية أو ماليزية على سبيل المثال تتعامل مع السودان، وأضاف أن تصريحات الرئيس يمكن فهمها كإشارة تحذير للمؤسسات الداخلية بعدم التعاون مع الشركات التي تعادي دولها السودان بينما أشار أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية د. عبده مختار إلى أن السودان بحاجة لإعادة سياساته مع الجميع لأنه تضرر اقتصاديًا، وقال ل«الإنتباهة» إنه ضد أن تتحدث القيادات السياسية بانفعال في قضايا حيوية تتعلق بمسقبل البلاد وتمس مصالحها الاقتصادية، وبالعودة للوراء قليلاً نجد الحال لم يقتصر على شركات تجيء بصورة غير مباشرة إنما تجيء بصورة علنية كما جاء في إعلان أن شركة سكر في منتصف شهر مارس الماضي عن دخول خمس شركات أمريكية للبلاد منذ يناير الماضي للاستثمار في قطاع السكر، وأوضحت الشركة على لسان العضو المنتدب للشركة محمد المرضي التجاني في تصريحات صحفية أن الشركات الأمريكية أقدمت على تلك الخطوة بعد نيل الموافقة من مكتب المقاطعة الأمريكية موضحًا أن مجالات عملها تشمل الري والحصاد وتقديم الخدمات الفنية المصاحبة ومن الدول التي يمكن وصف عدائها للبلاد بالمستتر المملكة المتحدة المعروفة بميولها للاتفاق مع أمريكا في مواقفها الدولية. ولما كانت السياسة حمّالة أوجه وأن سوء سياسات في جهة ما لا يمنع المحاولة لاغتنام أي سانحة إيجابية ربما هذا ما دفع وزير الخارجية علي كرتي لتقديم الدعوة للقيادي بحزب المحافظين الحاكم اللورد رازل ومجموعته الاقتصادية إبان زيارته للمملكة في يونيو الماضي وكان السفير السوداني ببريطانيا عبد الله الأزرق كشف التفاصيل التي تعبر عن النتائج الإيجابية لسياسات كرتي في مؤتمر عقد في لندن نهاية مارس الماضي عن أن استثمارات شركات المملكة تصل إلى مليار دولار في مجالات مختلفة كالتعدين والطاقة والغاز والزراعة والتصنيع والسؤال الذي يبرز الآن هو: هل تعد تلك استثمارات المملكة ضمن الشركات التي سيطولها الحظر أم ماذا؟ وإذا حدث هذا ما هي انعكاسات ذلك على الجهود الرامية لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية بالبلاد؟