لا مجال للخلاف أو الاختلاف حول أهمية التعليم للإنسان ولعل أفضل برهان على هذه الفرضية أن (اقرأ) كانت فاتحة ما نزل به الوحي على سيد الخلق ومفتاح المعرفة الذي لا يصدأ نستصحب هذه التعاليم التي تحض على القراءة والتعليم ونطلق منها على الواقع الماثل مستصحبين كذلك كل التصريحات والتأكيدات لكبار رجال الدولة على مستوى المركز والولاية وهم يؤكدون عزمهم وسعيهم للارتقاء بالتعليم وتجويده وإتاحته للجميع رافعين شعارات على شاكلة «التعليم حق للجميع، عام التعليم، الغذاء مقابل العلم» وغيرها من شعارات نتلمسها في المحيط العملي والواقع المعيش بنظرة كلية لا تهمل النصف الممتلئ من الكوب ودون التقاضي للسياسات الكلية التي لم يشفع حسن النية وراء اتخاذها في تبرير انعكاساتها على العملية التعليمية من تشوهات. ففي الوقت الذي نشهد فيه توسعاً ملحوظًا في عدد المدارس بمختلف مناطق ولاية كسلا حتى بلغت جملة مدارس الأساس بالولاية ما يقارب «690» مدرسة وأكثر من «80» مدرسة ثانوية وعلى الرغم من ذلك لا تزال هنالك أعداد ليست قليلة خارج نطاق التعليم من أبناء الولاية ممن يسرحون خلف قطعان الماشية، مضافاً إليهم ما يماثلهم أو يكاد من الفاقد التربوي فلا يخفى ما يترتب على ذلك من حرمانهم من أهم عناصر بناء الشخصية السوية، الشيء الذي يجعلهم «أسرى خيار وحيد راجح الكفة» ألا وهو الانحراف واعوجاج السلوك وتلك أولى بوابات الدخول إلى عالم (الشماسة) والمتفلتين وضحايا قاع المجتمع وبعيد عن المقارنة والمقاربة بين ما كان عليه التعليم وما آل إليه خاصة في شعار (المجانية) الفعلية وبكل ما تقتضيه العملية التعليمية، اعتباراً من الكتاب المدرسي والإجلاس وغيره من مدخلات التعليم صعوداً حتى مرحلة الداخلية والمجانية المرفوعة الآن كشعار يفضحه ويناقضه انعدام أو تقليص رقم الإنفاق على التعليم في بنود الميزانية العامة، وتحميل أولياء الأمور والمعلمين أعباء تدبير أموال التسيير.. علمًا أن لم يمضِ كثير على المؤتمر الصحفي الذي نظمته الوزارة بمناسبة بداية العام الدراسي الذي أعلن خلاله وزير التربية والتعليم السابق المهندس علي العوض محمد موسى اكتمال كافة الترتيبات لانطلاقة العام الدراسي، مؤكدًا أن نسبة الإجلاس والكتاب المدرسي تم توفيرها بنسبة «100%» وقال بالحرف الواحد: لا توجد مدرسة تفرض رسومًا مالية ولا يوجد مدير أو معلم يطالب برسوم أو يتسلم قروشًا من طالب ولا يمكن أن يتم طرد طالب لعدم دفعه الرسوم) وأمام هذه التأكيدات نستمع لشكوى ولي أمر أحد الطلاب بمدرسة الشرق الثانوية تذهب كل تأكيدات الوزير السابق وتنسف كل شعارات مجانية التعليم حيث يؤكد أن إدارة المدرسة ظلت تلاحق أبناءه بدفع الرسوم البالغ قدرها «65» جنيهًا علمًا أن هذا المواطن الذي لن نذكر اسمه لاعتبارات يعلمها الجميع فهو له ابنان بذات المدرسة وتقديرًا من إدارة المدرسة قامت بتخفيض الرسوم ليكون جملة المبلغ «105» جنيهات فيما يؤكد «ولي أمر طالب» بمدرسة مكرام الثانوية أن إدارة المدرسة تفرض رسومًا قدرها «50» جنيهًا بجانب «50» جنيهًا أخرى كمساهمة تم الاتفاق عليها من قِبل مجلس الآباء لتأهيل وصيانة دورات المياه بالمدرسة فيما تفرض المدارس النموذجية الثانوية مبلغ «200» جنيه في العام الدراسي خلافًا لمساهمة الكهرباء فيما تبلغ الرسوم بمدارس التعليم الفني ما يقارب «45» جنيهًا خلافًا لرسوم الامتحانات وغيرها وقد تم مؤخرًا بأحد معاهد التعليم الفني بكسلا إرجاع عدد من الطلاب بسبب الرسوم. تبقى الأسئلة التي لا تجد أمامها إجابة واضحة هل تكفي الرؤى النظرية والتصريحات الحكومية لإصلاح حال التعليم بالولاية.. هل تكفي حقًا الرغبات لتحقيق الهدف العام للتعليم؟ وهل جاءت تطلعات التربويين صادقة من أجل أطفال تستفيد منهم الدولة في مشروعات التنمية والإنماء ولعل الكثيرين يستزرعون بالنتائج التي ظلت تحققها الولاية في امتحانات الأساس والثانوي فهل هي مؤشر عام لإصلاح حال التعليم بالولاية. فيما يرى بعض المراقبين أن شح الدعم المقدم من قبل وزارة التربية والتعليم للمدارس أثر كثيراً في تدني البيئة المدرسية، وأشار المراقبون إلى أن التعليم شهد تدنيًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة نسبة لرفع الدولة يدها عن التعليم إلى جانب عدم الاهتمام بالبيئة المدرسية وقالوا: إن جميع الدول التي شهدت تقدمًا اقتصاديًا كان بعد اهتمام تلك الدول بالتعليم وتقديم جميع المعينات له، موضحين أن ولاية كسلا تعاني كثيرًا من البيئة الملائمة لتلقي التعليم، مؤكدين أن دعم الدولة للمدارس سوف يخلق أجيالاً متعلمة وواعية، وسيقلل هذا الدعم من الفاقد التربوي الذي كثر خلال الأعوام الماضية.. مشيرين إلى أن هذا الدعم لن يجعل المدارس تتحصل رسومًا من أولياء الأمور كما يحدث الآن في مسلسل سيء الإخراج لمجانية التعليم.