بعد أربعة عشر عاما من المفاصلة بين الإسلاميين، وعلى بعد أيام من شهر رمضان الذي صدرت فيه قرارات الرابع من رمضان من العام 1999م، تلك القرارات التي وضعت نهاية وحدة الإسلاميين وأخرجت ما كان همسا من خلافات، وكانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر الإسلاميين. قبل سبعة أيام من رمضان، وفي يوم السبت الماضي، عادت روح الأخوة لعدد من شباب المجاهدين من الطرفين، بعد أن تاهت سفينة الإنقاذ ( التي أتت رياح السلطة بما لا يشتهي ربانيها ). وهي السفينة التي سارت في بداياتها لا تبالي بالرياح، وأنشد لها شبابها المجاهدون والمقاتلون في مناطق العمليات الأناشيد، همهم تثبيت أركانها وإقامة دعائم مشروعها الحضاري ،ولكنه لم يكتمل، فعندما كانوا يقاتلون هناك، كان قادتهم هنا يتقاتلون على السلطة. وكان عدد من الإسلاميين قادوا مبادرات عدة لجمع صف إخوتهم منذ المفاصلة، ولكنها باءت جميعها بالفشل في تليين صلابة الخلاف. آخر تلك المبادرات جاءت من قيادات الحزبين بولاية نهر النيل، التى لاقت رواجا كبيرا وحركت أشواقا ساكنة لعقود. ويرى الكثيرون أن من نتائجها المذكرات الإصلاحية التي عمت الحزبين في الفترة القليلة الماضية، والتي استطاعت أن توصل للقيادات الكبيرة بأن هناك شيئا يحدث، وأن الأرض لن تبقى ثابتة تحت أقدامهم هكذا مدى الدهر. تلتها مبادرة وطني ولاية الخرطوم التي عرفت بمبادرة الشيخ عباس الخضر، ولكن عندما جاءت مبادرة مجاهدي الحركة الإسلامية هذه المرة، ارتفعت الآمال والطموحات في أن تفلح هذه القوة الضاربة والطاقة الهائلة من شباب المستقبل في إصلاح ما أعوجه الشيوخ خاصة بعد الإحباط الذي نشره حديث الشيخ أحمد عبدالرحمن محمد، أحد كبار الإسلاميين، مستبعدا فيه أن يتوحد الإسلاميون وجيلهم على قيد الحياة. عندما قال بصريح العبارة (لن يتوحد الإسلاميون وجيلنا على قيد الحياة).فطالما كان الأمر كذلك، فليتحرك الشباب لإزاحة هذا الجيل لأن الأقدار بيد الله، ولا أحد يدري زمانها ومكانها. وربما مبعث التفاؤل في أن أصحاب المبادرة هذه المرة، ومن يقودونها هم شريحة لا يستهان بها وعليها تتعلق الآمال في مستقبل الحركة، وخاصة أنهم لم يشتركوا في خلافات المفاصلة وأسبابها، بجانب أن ما حدث ويحدث يعني غياب تأثيرهم في مستقبل البلاد سنواتها القادمة إن لم يتوحدوا لمواجهة كبارهم بالحقيقة بعد أن فشلوا في إنقاذ السفينة من الغرق مثلما قال الشيخ إبراهيم السنوسي ( جئنا بالإنقاذ لإنقاذ الناس، وهاهم يطالبوننا بإنقاذهم منها ) وحتى لا يصبح هذا الفشل وصمة عار يلاحق هؤلاء الشباب بعد إن يختفي ويتوارى شيوخهم خلف إرادة الأقدار، فليس أمامهم سوى التحرك السريع والعاجل لتدارك ما يمكن تداركه من المشروع والقضية التي ضحى أخوتهم الشهداء بأرواحهم من أجلها ووهبوها هم ثمرة صباهم وشبابهم من العمر والوقت، بل وتدارك الوطن بأكمله بعد أن تكالبت عليه المحن والأوجاع التي منها ما صنعت أيدي أصحاب القضية. كان اللقاء مليئا بالأشواق والذكريات الجهادية وسير الجهاد والإستشهاد وسير الشهداء وصورهم وأسرهم وأبنائهم، كان اللقاء نقيا صافيا خاليا من مغريات الدنيا، أرادوا له بحق أن يكون بعبق الماضي ونقائه ، كان كل شيء لله ولرسوله ،وحتى عندما تحدث المجاهد الناجي عبدالله قائلا ( أنا اريد أن ادعو إلى مبادرة لوحدة صف الحركة الإسلامية ومبادرة لله ورسوله والشهداء، تتجاوز كل السقوف، وسقفنا الله سبحانه وتعالى، مبادرة ليست لشخص ) كان الحديث صادقا تعالت معه أصوات الحضور بالتهليل والتكبير. وكان الدفع رباعيا من الحضور بأن (ارمي قدام) ويضيف الناجي (هذا هو حديثي لكم إذا أردتم إصلاح حال الحركة التي ضعفت بفعل الانقسامات والفتن وعملية الإصلاح صعبة تحتاج لجهد وصبر، أما إذا أردتموها لقاءات بكاء على الشهداء والحال وأكل برتقال وعنب، أنا لست معكم). اللقاء لم ينفض كما ينفض الثمار، بل له ما بعده. فهو بحق مبادرة من أجل وحدة الحركة الإسلامية حيث اتفق الجميع على أن يتم لقاء في الشهر المقبل من أجل صياغة المبادرة ومناقشتها، ومن ثم تقديمها للقيادة في الحزبين. والقادم هو الأصعب، ربما لأنه سيلامس مواضع الداء لأنه سيقوم على المناصحة، ويا لها من مناصحة. حيث سيعقد هؤلاء الشباب لقاء مع الرئيس البشير، وقيادات الوطني وآخر مع قيادات المؤتمر الشعبي. فهل ستصطدم رغبتهم بصخرة القيادات، أم سيتجاوزونها كما تجاوزوا الدبابات من قبل ؟