لا تزال أزمة الدواء التي ضربت البلاد منذ مطلع العام المنصرم تراوح مكانها رغم الجهود المضنية من قبل الإمدادات الطبية في توفير الأدوية المنقذة للحياة كما أن العديد من مصانع الأدوية تعاني شحًا في المادة الخام الأمر الذي ينذر بتوقفها عن التصنيع وقد شهدت صيدليات العاصمة خلال الأيام القليلة الماضية ازدحامًا كبيرًا بالمرضى في ظل شح الأدوية المنقذة للحياة وأدوية الأمراض المزمنة الأمر الذى دفع بعضًا من الصيدليات إلى الاستنجاد بالشرطة لتنظيم صفوف المرضى الذين تدافعوا كالمسعورين بحثًا عن الدواء ورغم الانتظار فى الصفوف الطويلة ولساعات غادر بعضهم دون حصولهم على دواء نتيجة انعدامه في «80%» من صيدليات العاصمة بجانب أن «53» صنفًا من الأدوية المرتبطة بعلاج السرطانات والكلى والأوبئة غير متوفرة. وتشير نشرة أخرى صادرة عن الإمدادات الطبية إلى أن 213 مستحضرًا طبيًا من أدوية الحوادث والطوارئ ليس لها مثيل مسجل بالبلاد. واكدت مصادر ل«الإنتباهة» ان دراسة اثبتت انه يوجد نحو «23» مصنعًا للأدوية والمستحضرات الطبية تعمل بطاقة إنتاجية تتراوح بين 2 و«20%» كحد أقصى من طاقتها التصميمية، وأن الصناعة الدوائية في البلاد تنتج نحو «459» مستحضرا طبيًا من جملة «3417» مستحضرًا مسجلاً وأن مصنعين فقط يعملان في إنتاج المحاليل الوريدية، وآخرين لإنتاج القطن الطبى بالبلاد والغازات الطبية، واكد المصدر وجود عدة معوقات فنية وإدارية وتمويلية تواجه صناعة الدواء بالبلاد بسبب الافتقار للقاعدة التقنية والأبحاث والتطوير والكوادر المؤهلة بجانب ما تفرضه الحكومة من رسوم جمركية وجبايات وتضارب وازدواجية الإجراءات وضعف التمويل الوطني والأجنبي. ناقوس الخطر قرعت مدير ادارة الطوارئ بمستشفى الخرطوم د. هالة ابوزيد ناقوس الخطرمؤكدة ان مستشفى الخرطوم يعانى نقصًا حادًا فى الادوية المنقذة للحياة والعقاقير الخاصة بعلاج الكبد الوبائى والصرع والمخدر العام والخيوط الجراحية، وقالت هالة فى منتدى المستهلك الاسبوعى انها طالبت الهيئة العامة للامدادات الطبية بتوفير تلك الادوية دون جدوى فتضطر للشراء من الصيدليات مايؤكد وجود مشكلة فى توفير الادوية. الكرت الأحمر ويرى نائب الأمين العام لاتحاد الصيادلة السوداني د. ياسر ميرغني أن سوق الدواء يعيش فوضى واضطرابات لأسباب إدارية، واكد فشل وزارة الصحة في السيطرة عليه بل فشلت في بسط ولايتها عليه مما جعله غير خاضع للرقابة وبين أن ندرة الدواء سببها سياسات شركات الأدوية التي تحتكره لرفع أسعاره، أو تحجم عن البيع بسبب اضطراب سعر صرف الجنية مقابل الدولار، مهددًا بتحريك إجراءات قضائية ضد بعض الشركات التي تعمل على تخزين الأدوية ويمضى الامين العام د. ياسر ميرغنى قائلاً ان الجمعية اشهرت الكرت الاصفر فى وجه الحكومة وبعد رمضان سوف تشهر الأحمر اذا لم تقم بتوفير الدولار المدعوم لاستيراد الدواء وتوفير ما يزيد عن ال«200» مليون يورو. رئيس اتحاد الصيادلة دكتور صلاح سوار وصف وضع الدواء بالخطير خاصة الادوية المنقذة للحياة، واتهم بنك السودان بعدم الشفافية فى تخصيص سعر حتى الآن كما انه لم يلتزم بتوفير «50» مليون يورو اسبوعيًا. أفلسنا أما ممثل غرفة مستوردى الادوية د. حسين الصائغ فجزم بأن200 شركة من شركات الادوية مهددة بالافلاس وانه يتم استيراد الدواء بالدفع الاجل بمبلغ 60مليون يورو. ويؤكد الناطق الرسمي باسم شعبة مستوردي الأدوية ياسر حامد وجود أزمة حقيقية تعيشها سوق الدواء بالبلاد، مشيرًا إلى شح النقد الأجنبي المخصص للدواء. ويكشف ياسر حامد أن الاستهلاك السنوي للبلاد يكلف نحو 300 مليون دولار و«لم توفر الحكومة خلال ستة أشهر مضت سوى 15 مليون يورو فقط على ثلاث دفعات، وأن عدم توفر النقد الأجنبي أثر على سمعة وتعاقدات وتوكيلات بعض الشركات المحلية مما زاد من تعقيد أزمة الدواء، مشيرًا إلى ارتفاع مديونية الشركات على بنك السودان «بلغت حتى يناير الماضي نحو 55 مليون يورو لم تسدد حتى الآن». ويقول ياسر إن شركات محلية ظلت توفر الدواء من السوق الموازي «ولهذا فإن هناك أكثر من سعر للدواء في الصيدليات بالسوق». احذروا سلاح الدواء الإدارة العامة للصيدلة بوزارة الصحة الاتحادية أمنت على ضرورة تأمين احتياج البلد من الدواء، وكان ذلك في منتدى توطين الدواء الذي نظمته وزارة الصحة ووزارة الصناعة ووزارة التجارة واتحاد أصحاب العمل بمجلس الوزراء، اذ إن الدواء المستورد يمثل «70%» من الدواء الموجود بالأسواق ويتم الاستيراد من أكثر من ثلاثين دولة، وشددت ادارة الصيدلة على ضرورة تأمين الدواء حتى لا يستخدم كسلاح سياسي من خصوم الدولة، خاصة أن العدد الكلي للأدوية المسجلة بالبلاد «3.702»، فيما بلغ عدد الأدوية المسجلة من الصناعة «459» دواء بنسبة «12%»، وبلغ عدد المصانع «32» مصنعاً تعمل حالياً منها «18» نوعًا، و«4» غازات، ومصنع واحد مستلزمات طبية، بجانب «4» مصانع قيد التشغيل التجريبي و«4» قيد التشييد، فيما توقف مصنع عن العمل. اما عن نسبة التغطية الدوائية الوطنية للاستهلاك المحلي فلم تتجاوز «24%»، وهى تعمل بطاقات تشغيل متدنية تتراوح ما بين «2» إلى «20%» كحد أقصى من الطاقة التصميمية لإنتاجها، وأن تغطية الصناعة الوطنية بلغت «24%» بحجم استثمار بلغ «45» مليون دولار مقارنة مع مصر، حيث تغطي الصناعة الوطنية بها «95%» وحجم الاستثمار «1.300» مليون دولار، وسوريا تغطي الصناعة الوطنية «88%» وحجم الاستثمار «800» مليون دولار. تضارب الاختصاص اما عن المعوقات التي تواجه التصنيع المحلي فمعظمها فنية وبعضها مشكلات إجرائية ومعوقات تسويقية وتمويلية بحسب ادارة الصيدلة وأبرزها عدم وجود بنية أساسية فنية وتكنولوجية لتغذية الصناعة الوطنية وصغر المصانع ومحدودية منتجاتها كماً ونوعاً، فضلاً عن الرسوم الجمركية على المواد الأولية ومواد التعبئة والتغليف ومعدات ومواد تطوير الصناعة الأخرى، بجانب تضارب الاختصاصات والازدواجية في الإجراءات الحكومية ما بين المجلس القومي للأدوية والسموم والجمارك والمواصفات والمقاييس وعدم وجود نظام ترويجي فعّال لمنتجات المصانع المحلية وضعف التحصيل من الصيدليات وطول أجل السداد والمنافسة مع الشركات الأجنبية والتي تتبع إستراتيجيتها إغراق السوق. من المحرر هل ميزانية الامدادات الطبية عاجزة عن توفير الدواء؟ الماذا لا تنشأ آلية ونظام للمتابعة والتقييم ينسجم مع الاسترايجية الصيدلانية ربع القرنية والسياسة الدوائية القومية ونظام المتابعة والتقييم الاتحادي؟ لماذا لا تتم مواءمة سياسة من وزارة الصحة لتعمل مع الآخرين للتوجيه وقيادة الصناعة الدوائية نحو مستقبل يؤهلها للمنافسة وكسر سيطرة الشركات الكبرى الاجنبية على صناعة وسوق الدواء كما يجعلها تلعب دورها الغائب مع مثيلاتها في دول المنطقة؟