تشهد البلاد أزمة حادة وحقيقية في توفير الأدوية بالبلاد بسبب إحجام الشركات عن البيع للصيدليات والإيقاف غير الرسمي للاستيراد بسبب ارتفاع سعر الدولار، مما أدى لتصاعد أسعار الدواء بصورة عالية وخرافية، حيث جاء ارتفاع أسعار بعض الأدوية بنسبة 70% وانعدمت أصناف من الأدوية الأساسية من الأسواق وخاصة دواء الضغط وأدوية سرطان الأطفال. ويرى خبراء أن المخرج من الأزمة هو منع الاستيراد من الخارج والاكتفاء بالتصنيع المحلي للأدوية، باعتباره الخيار الأمثل للصناعة الدوائية الوطنية. وبالرغم من ذلك إلا أن هناك ثلاثة مصانع توقفت عن التشغيل لعدم توفر العملات الصعبة لاستيراد المواد الخام لتصنيع الدواء، ووصف الدكتور نصري مرقص رئيس شعبة الصيدليات باتحاد الصيادلة، وضع الأدوية بالبلاد بالمتأزم، مؤكداً وجود شح وندرة في الأدوية، مشيراً لتضاعف الأسعار بسبب عدم توفر العملات الصعبة، منتقداً قيام البعض بزيادة الأسعار بنسب متضاعفة، ووصف ذلك ب«القفز بالزانة» وقال إن الصناعة المحلية لن تعالج المشكلة باعتبارها مرتبطة بعدد محدد من الأدوية بنسبة تغطي حوالي ثلاثين في المائة من الأدوية، وأكد وجود أدوية حديثة لا يمكن تصنيعها محلياً لاعتبارات التكنولوجيا وقال إن صناعتها محلياً من الاستحالة والصعوبة بمكان ولا يمكن أن تتم عملياً. وأبدى د. نصري تعجبه من حديثه محافظ بنك السودان حول قيام البنك المركزي بتوفير العملة الصعبة بالسعر الرسمي وقال إنه حديث متناقض واستدل على ذلك بوجود أزمة دواء لكنه أكد توفير جزء يسير من المبالغ لبعض الشركات، لافتاً إلى تخزين الأدوية بالشركات وعدم توزيعها خوفاً من الخسارة لتذبذب أسعار الدولار، وتوقع مرقص تصاعد أزمة الدواء ما لم تتدخل الدولة بتوفير العملات الصعبة. توطين الدواء.. المخرج من الأزمة: وأكدت الدكتورة مها محمد علي بالإدارة العامة للصيدلة بوزارة الصحة الاتحادية ضرورة تأمين احتياج البلد من الدواء وقالت في منتدى توطين الدواء الذي نظمته وزارة الصحة ووزارة الصناعة ووزارة التجارة واتحاد أصحاب العمل بمجلس الوزراء، إن الدواء المستورد يمثل 70% من الدواء الموجود بالأسواق ويتم الاستيراد من أكثر من ثلاثين دولة، وشددت على ضرورة تأمين الدواء حتى لا يستخدم كسلاح سياسي من خصوم الدولة، وأكدت الدكتورة مها أن العدد الكلي للأدوية المسجلة بالبلاد «3.702»، فيما بلغ عدد الأدوية المسجلة من الصناعة «459» دواء بنسبة 12% ، وبلغ عدد المصانع «32» مصنعاً تعمل حالياً منها «18» أدوية، و«4» غازات، ومصنع واحد مستلزمات طبية، وأشارت لوجود «4» مصانع قيد التشغيل التجريبي و«4» قيد التشييد، فيما توقف مصنع عن العمل. وكشفت د. مها عن أن نسبة التغطية الدوائية الوطنية للاستهلاك المحلي لم تتجاوز 24%، وقالت إنها تعمل بطاقات تشغيل متدنية تتراوح ما بين 2 إلى 20% كحد أقصى من الطاقة التصميمية لإنتاجها، وأكدت أن تغطية الصناعة الوطنية بلغت 24% بحجم استثمار بلغ 45 مليون دولار مقارنة مع مصر، حيث تغطي الصناعة الوطنية بها 95% وحجم الاستثمار 1.300 مليون دولار، وسوريا تغطي الصناعة الوطنية 88% وحجم الاستثمار 800 مليون دولار. معوقات التصنيع المحلي: وكشفت د. مها عن معوقات تواجه التصنيع المحلي أجملتها في معوقات فنية ومشاكل إجرائية ومعوقات تسويقية وتمويلية أبرزها عدم وجود بنية أساسية فنية وتكنولوجية لتغذية الصناعة الوطنية وصغر المصانع ومحدودية منتجاتها كماً ونوعاً، فضلاً عن الرسوم الجمركية على المواد الأولية ومواد التعبئة والتغليف ومعدات ومواد تطوير الصناعة الأخرى، بجانب تضارب الاختصاصات والازدواجية في الإجراءات الحكومية ما بين المجلس القومي للأدوية والسموم والجمارك والمواصفات والمقاييس وعدم وجود نظام ترويجي فعال لمنتجات المصانع المحلية وضعف التحصيل من الصيدليات وطول أجل السداد والمنافسة مع الشركات الأجنبية والتي تتبع إستراتيجيتها إغراق السوق. وانتقد خبير صيدلاني نمو صناعة الدواء في السودان أفقياً أكثر من نموها رأسياً، بمعنى أنها تنمو في عدد المصانع المشابهة في القدرة التكنولوجية بحيث لا يحدث أي تطور نوعي بهذه المصانع. الوضع الراهن للدواء: وقال د. محمد الحسن الأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم في ورقة دور المجلس القومي للأدوية والسموم في الصناعة الوطنية، إن توفير الدواء أمر لابد أن يؤخذ بجدية كبيرة من الدولة، مشيراً إلى أن صناعة الدواء صناعة معقدة وتحتاج لإمكانات هائلة ولا يمكن تركها للشركات الصغيرة، ووصف الدواء بأنه من السلع المتميزة والصناعة الإستراتيجية والحيوية لارتباطه بصحة الأفراد ثم الاقتصاد الكلي للدولة، وقال إن توفر الدواء قد يكون له مساس مباشر بأمن الدولة واستخدامه كسلاح سياسي من خصوم الدولة، لافتاً إلى العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان والتي تشمل الأدوية والمعدات الصناعية وقطع الغيار، وأكد د. محمد الحسن أن الصناعة الحالية بالبلاد صغيرة ولا يتجاوز رأس المال المستثمر فيها «50» مليون دولار، وقال إن جميعها تقوم بتصنيع أشكال صيدلانية تعتبر سهلة التصنيع ومتكررة، وأشار إلى أن الصناعة المحلية تعتمد على استيراد جميع مدخلات الإنتاج من مواد أولوية ومواد تعبئة وتغليف، وأكد أن البلاد ما زالت تعتمد اعتماداً كلياً على استيراد الدواء بنسبة تتجاوز ال80%، وشكى عدد من المرضى استطلعتهم «آخر لحظة» من انعدام أدوية الضغط والروماتيزيوم من الصيدليات، وأكدت إحدى المرضى انعدام عقار (methotrexcte) للروماتيزيوم المزمن عن جميع الصيدليات بالخرطوم خلال الفترة الماضية، وأكدت أن العقار يستخدم بصورة دائمة بمعدل «8» حبات في الأسبوع، وأشارت إلى ارتفاع سعره إلى «45» جنيهاً بدلاً عن «10» جنيهات.