بغض النظر عن التعليق على مبادرة مصر وليبيا وتونس لتوحيد حزبي المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي والأخير طبعاً بدون حركة العدل والمساواة بغض النظر عن التعليق على المبادرة التي نبعت من نيات حسنة وطيبة، فإن السؤال على خلفيتها هنا هو هل اعترض المؤتمر الوطني منذ الساعات الأولى بعد المفاصلة أو الانشقاق على عودة الذين تبعوا الترابي؟ إن الذين عادوا إلى المؤتمر الوطني بعد انشقاق مجموعة الترابي ربما يكونون أكثر من نصف قيادات المؤتمر الشعبي، وإذا كانت المبادرة العربية «الساحلية» تريد عودة الترابي إلى قيادة الحزب الحاكم مثلاً، فهنا يجب على الحكومة أن تفيد أهل المبادرة بمعلومات وافية عن كل التصريحات التي أطلقها حسن الترابي ضدها في مختلف المنابر، والتي أثبتت أن الرجل ليس باستطاعته أن يحفظ الأسرار وأن يتجنب الفجور في الخصومة. إن الترابي بعد المفاصلة قال: أتوقع كلمات من الجيش.. وهذا طبعاً تحريض على تغيير النظام الإسلامي في الخرطوم لصالح القوى الحزبية العلمانية واليسارية لأن إطاحة حكومة البشير لا تعني إحلال الترابي وجماعته في موقعه وإنما تعني فوضى في عهد حكم إسلامي لصالح حكم غير إسلامي يمكن أن يأتي في مناخ الفوضى. وقال الترابي بعد المفاصلة وهو مفرج عنه من المعتقل لتوه: أشكروا لإخوانكم في دارفور فإن الحريات لا تأتي إلا بحمل السلاح.. وكان بهذه العبارات يتشفى والتشفي ليس من شيمة الزعماء الإسلاميين، وليس خلة من خلال العقل والحكمة، وحتى الذين حملوا السلاح في دارفور ومنهم مجموعة كبيرة من حزب المؤتمر الشعبي كان يقودها أول الأمر خليل إبراهيم لم يحملوه لغياب حريات، بل انهم حملوه بعد الانفراج والانفتاح السياسي الذي انتظم البلاد بعد المفاصلة، حيث كانت الحريات شبه معدومة قبل أن يصدر البشير قرارات الرابع من رمضان التي بموجبها حل المجلس الوطني «المعين» برئاسة الترابي. وتصريحات كيدية كثيرة أطلقها الترابي جديرة بأن تجعل الفراق بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي «فراق الطريفي لجمله» وإذا عاد الطريفي لجمله لا يعتقد مراقب لصيق بملف خلافات الإسلاميين أن يعود الترابي إلى الحزب الحاكم، اللهم إلا إذا تم هذا بصفقة، وأي صفقة تعني إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة فلا خير في ود يجيء تكلفاً.. ويقول بيت الشعر التالي لهذا البيت: «ولا خير في خل يخون خليله ويلقاه من بعد المودة بالجفا». إن معالجة مفاصلة الإسلاميين هي أن يعودوا أعضاءً بالمؤتمر الوطني أسوة بالذين عادوا مثل محمد الحسن الأمين وبدر الدين طه والحاج آدم يوسف وغيرهم من القيادات العليا والوسيطة والشباب والطلاب. ولكن بعد أن أصبح البرلمان ديمقراطياً منتخباً فليس هناك ما يشجع الترابي على العودة إلى المؤتمر الوطني، فهو صاحب تجربتين انتخابيتين فاشلتين في عام 8691م في الجزيرة وفي مسقط رأسه والثانية عام 6891م في جبرة والصحافات وقصتاهما معروفتان. لكن إذا لم تكن الصفقة هي تعيينه رئيساً للبرلمان بعد تحقق درجة التحول الديمقرطي القصوى، ففي أي موقع يمكن أن يوضع؟ هل يقبل بمنصب مساعد رئيس كما قبله من حكومة نميري؟ أم سيستحدث له منصب رئيس وزراء ليموت صهره الصادق المهدي كمداً بعد أن جاء من لقاء نداء الوطن ولم يجده رغم أنه مستحق له لأنه حتى 92 يونيو 9891م كان رئيس وزراء منتخب؟ وهل لسان حال الصادق أو الترابي يردد كلمات الشاعر مجهول الاسم التي تغنى بها الكابلي: سألتها عن وصل فقالت لا تقربني من رام منا وصالاً مات بالكمد إن الحكومة «ماعندها للترابي حاجة».. ومن أراد العودة من حزب الترابي حتى ولو كان هو نفسه إلى المؤتمر الوطني فإن الباب مفتوح للكل .. مفتوح حتى للشيوعيين إذا تركوا حزبهم ومن قبل جاء أحمد سليمان منه إلى الحركة الإسلامية وكذلك أمين حسن عمر.. فالباب مفتوح ولا داعي لأي مبادرة.