عبر الغربة المطحونة بالمآسى والدموع ؛ أخلو بنفسي وأسائلُها: تُرى أين ذهب الصديق المخلص الوفى؟ هل أصبحت الصداقة مجرد عملة نادرة فى الغربة.. أم أصبح الكل مشغولاً بأعبائه ومتطلباته في الحياة ولم يعد يُفكرّ إلا في مشاكله الذاتية حتى أنه تخلى عمّن يشاركه أحزانه وأفراحه!! نعم؛ لقد أصبحت الغربة عبئاً ثقيلاً على الإنسان.. ثم أعود أسائلُ نفسي مرة أخرى: لماذا والى متى سيظل الانسان متحملاً كل هذه الهموم والوساوس التى تسيطر على كيانه؟ والتى تكاد تنفجر منها رؤوسنا من التفكير العميق.. أحياناً أجد الرد على نفسي سهلاً مُيسراً وأحياناً يتعذّر علي الرد وأعجز عن التعبير عما يصادفه الانسان عبر غربته ويكون الرد صعباً وأن الفعل به أصعب بكثير ولكن.. وبعد هذه الدوامة التى سيطرت على حياته التى كان يعيشها الانسان يجد نفسه فى يوم من الأيام لا بد وأن يرحل عن هذه الحياة ويتحسرّ على ماقد قضاه فى حياته وغربته من الهمّ والغمّ والاحزان.. فليته قضاها كلها أفراحاً ومسرات.. وحقيقة اسعد بها كثيراً عندما يأتى بعض الاقرباء والاهل للعمرة واستمع لأحاديثهم عن زمان وأهل زمان.. حقًا فإن الماضى لا يعود مهما حاولنا نسيانه ولكنه يظل عائشاً لا تمحوه السنون والايام.. نعم كانوا يتسامرون بأن الناس كانوا فى السابق متحابين بعضهم لبعض قلوبهم واحدة.. إذا كان أحدهم فى محنة أو مرّت به مشكلة يشاركه الآخرون ويقفون بجواره لانتشاله من محنته.. ولا شك بأنه قد كان لكل منهم صديق حميم وفىَ يختاره لنفسه من دون الناس يستظل عنده الراحة ويجد الثقة فيه فيبادله الحديث بصدق نية وثقة تامة ويبوح له بسره فيبادله نفس الشعور حتى يصبح واياه كالشخص الواحد.. لذلك عندما يلجأ اليه يجده أمامه بصدر رحب مخففاً عنه ويُنسيه ما هو فيه.. فبذلك ينظر الإنسان للحياة نظرة مشرقة باسمة جميلة كلها تفاؤل وأمل.. فأين نحن من كل ذلك.. وملعون أبوها غربة!! اما الآن أصبحت أرى أن وجود مثل هذا الصديق من الصعب جداً العثور عليه.. نعم أقولها بكل صراحة تامة أن الناس أصبحوا كالوحوش ومن الصعب جداً أن تتعرف على مابداخل نفوس الغير وتغوص بداخلها لتحس فقط بما يكنّه لك هذا الصديق.. هل هو زيف أم حقيقة وان ما تريده منه يجب أن يبادلك به ولكن شريطة أن لا يكون دون مقابل.. ومن أي نوع كانت هذه التضحية!! أأسف على هذا الزمان والذى خلا فيه الصديق الحق وانشغل فيه الأخ عن أخيه والابن عن أبيه.. انه لزمن العجائب حقاً.. لقد بحثت كثيراً في غربتي هذه للعثور على هذا الصديق الذى يُهيئ الوفاء الحق والصدق الدائم والنية الصادقة الحسنة واللجوء اليه وقت الحاجة فقط بمشاركته فى الرأي السليم وللتخفيف عما بنفسي واسداء النصح والإرشاد.. ولا أنكر هناك من أعتز بصداقتهم وأخوتهم ولكن فى نطاق محدود وليس كما أطمع فيه لأبادله بالمثل وحقيقة كما يقال : صديقي من يرد الشر عنى ويرمي بالعداوة من رماني.. ومازال لسان حالي يردد ملعون ابوها غربة.. وأكتفي..