مخطئ من أهل الإنقاذ ومن غير أهل الإنقاذ من يقول أو يظن أن المعارضة هي التي تحرك الشارع السوداني.. وتؤلِّبه على الإنقاذ. هذا إنكار للواقع.. ومكابرة.. ومداهنة.. ومتاجرة.. وهو فوق كل ذلك غمط لحق الشعب الذي أعطى الإنقاذ أكثر مما أعطته الإنقاذ.. وهو فوق كل ذلك إصرار على الإثم وتمادٍ في السياسات الخاطئة. ولا يقف الأمر عند هذا الحد.. فإن مثل هذه الأقوال والمجازفات إذا صدرت من رجل دولة أي من ذي منصب فإنها قادحة في استحقاقه لهذا المنصب.. ذلك أن رجل الدولة لا ينساق ولا ينجرف وراء هذه العبارات التي لا تطمئن الرعية بأن في جعبة المسؤول فهم للسياسة الشرعية ولا في كنانته أدب ودين يتعامل به في الملمات والمهمات مع رعاياه وجماهيره. وبعد اتهام المعارضة بتحريك المظاهرات يعودون ويتهمونها بالفشل في تحريك الشارع.. وهذا والله نكران للجميل وإيلاء للفضل لغير أهله.. والمعارضة التي يتمهونها بالتحريك.. ثم يتهمونها بالفشل هي الشريك الأكبر في الحكم.. وفي مؤسساته التشريعية والتنفيذية.. بل والسيادية.. إن المظاهرات توقفت ليس بسبب فشل المعارضة لا الطائفية ولا اليسارية.. فالمعارضة بشقيها ليست موجودة إلا في أذهان أهل الإنقاذ وأهل المؤتمر الوطني.. فمثلما رعت الإنقاذ حركات التمرد وغذَّتها وأسمنتها بالاتفاقيات والمناصب والمخصصات والدعومات فالإنقاذ أيضاً تترك أهل الهمّ على قارعة رصيف السياسة وتوسِّد الأمر كله أو جله للمعارضة.. في القصر وفي الوزارات الاتحادية.. وفي الولايات وفي الحكم المحلي. وهي تعلم أن المعارضة فاشلة.. فاشلة.. فاشلة. إن الواجب على الإنقاذ أن تولي الحمد أهله.. إن الإنقاذ ما دامت متمسكة بالحكم إلى هذا الحد على المستويين الفردي والجماعي فكان الواجب عليها أن تثنى ثناءً عاطراً على ملايين المواطنين الذين لم يشاءوا الخروج في المظاهرات بسبب قناعات والتزامات هي أرضى لله من قناعات والتزامات الذين يشتمون المتظاهرين.. ويهددونهم.. ويتوعدونهم. إن الإنقاذ بالدارجي البسيط كده.. ما ناقشة في الموقف السياسي أي حاجة.. إن الإنقاذ حتى كتابة هذه السطور لم تحاسب مفسداً واحداً.. ولم تحاكمه ولم تصادره.. بل إن التبرئة وإطلاق سراحهم بالضمان هو الذي تطعالنا به الصحف صباح مساء.. بل بعضهم لا يزال طليقاً لم يسأله أحد ولم يحاسبه أحد.. مع أننا قلنا من قبل ونكرر القول إن المحاكمات والحراسات ليست هي المنهج الإسلامي في الإصلاح وفي الحكم الرشيد.. هذا في متناول العلمانيين والكفرة والفساق. المنهج الصحيح هو منهج المحاسبة الإدارية القائمة على الرقابة اللصيقة من قِبل الدولة ومن قِبل المجتمع لمحاصرة أسباب الفساد ومسبباته.. فهو التحسب له قبل وقوعه أو قبل استفحاله إذا وقع.. إن الإنقاذ الآن تقف مكتوفة الأيدي أمام الفساد بل إن الإنقاذ ربما تفرح فرحًا عارماً ليس بالبراءة ولكن بمجرد أن تقف الأجهزة المعنية موقفاً يفسَّر دائماً في صالح المتهم.. وهو أمرٌ مخالف للطبيعة وللمألوف. فشطب البلاغات.. والبراءات.. لا يثير في خاطر أهل الإنقاذ أية مشكلة مع العلم بأن الدنيا تتكلم عن مظاهر الفساد والأدلة عليه والشواهد التي لا ينكرها أحد.. بالله عليكم عندما يخرج متهم بالضمان من تهمة بآلاف المليارات وقد وفر للضمان كذا مليار ثم يلقاه أهله بالتكبير والتهليل والذبائح والأهازيج والدفوف.. ماذا بقي للإنقاذ لتقدمه للمواطن المسكين؟! إن الإنقاذ تخطئ خطأً فادحاً عندما لا تثير تهم الفساد أزمة في وجدانها الجماعي ولا وجدانها الفردي وتظل تكيل السباب والشتائم للمعارضة وللذين تظاهروا ولا تجد لهم عذراً لا في شائعات الفساد.. ولا في غلاء الأسعار ولا في تردي الأمن.. ولا في استفحال التمرد في مناطق داخل السودان وخارج الجنوب.. ولا في انفلات الشارع.. ولا في انفلات الإعلام. إن الإنقاذ ظلت تعاقر الفشل طيلة ما يقارب ربع قرن من الزمان وقد آن للإنقاذ أن تعيد النظر في مقومات الحكم الذي اضطلعت بمسؤولياته منذ 30/6/89 إن الإنقاذ هي البرنامج.. و البرنامج حسب ما قاله الأخ الرئيس يوم 1/1/91 يوم الاحتفال بعيد الاستقلال في منزل الرئيس الأزهري هو الشريعة. وإن من المقومات الرجال.. أما البرنامج فقد اغتالته يد الدغمسة.. والدغمسة مصطلح إنقاذي لا يشاركها فيه أحد.. إلا ابن منظور في لسان العرب والرجال اغتالتهم يد الفساد. واليوم ومنذ ثلاثة وعشرين عاماً أو تزيد يطل علينا لأول مرة بريق أمل ويلمع شعاع في ليل الإنقاذ. إن الإنقاذ أفهمت العالم عن طريق الدغمسة والفساد أن البرنامج الإسلامي مستحيل.. وجعلت البرنامج ذاته والدعاة وأهل الجهاد مادة للتندر.. والفكاهة الرخيصة.. تجوَّل قليلاً في الشبكة العنكبوتية لترى كيف يسخر العالم كله من الإنقاذ.. ومن تجربتها الإسلامية.. ونحن لا نملك إلا الآهات والحسرات.. وبنان الندم.. واليساريون والعلمانيون يتضاحكون بنا.. نعم.. بنا.. وبإسلامنا.. لا بالإنقاذ.. ولا برجالات الإنقاذ.. ويؤلمنا ذلك مع أننا لسنا طرفاً فيه.. ولا هيئة علماء السودان هي طرف في الحكم.. ومع ذلك نالت حظها من التندر والاستخفاف. واليوم مطلوب من الأخوين شرف الدين علي مختار في مالية الولاية الشمالية ومن الأخ الشاعر محمد عبد الحليم في وزارة التنمية الاجتماعية والشباب والرياضية.. جنباً إلى جنب مع الأخ الوالي مولانا فتحي خليل.. مطلوب منهم أن يثبتوا للدنيا أن البرنامج الإسلامي ممكن.. وفي المتناول وجائز الوقوع.. بل وميسر. ومتوفر.. إذا توفرت الهمة والعزيمة ونظافة اليد وطهارة اللسان والوجدان!! إنكم أيها الثلاثة شعاع من نور.. وومضة في ليل بهيم اعتبروا أن التكليف ابتلاء.. واعلموا أن الله إذا أحب عبداً ابتلاه.. فكونوا على قدر الابتلاء.. لتكونوا على قدر المحبة.. وإياكم .. إياكم أن نؤتى من قِبلكم.. وفقكم الله وسدد خطاكم.