الحركة الإسلامية في السودان وقبل أن تستلم زمام السلطة بالبلاد في الثلاثين من يونيو 1989م كانت من أقوى الحركات بل تفوقت على كل الحركات الإسلامية في المعمورة قاطبة إذا استثنينا الإخوان المسلمين في جمهورية مصر العربية الشقيقة، بل كان هنالك تواصل بين الإخوان في السودان ومصر والدليل على ذلك أن عبد الناصر إبان حكمه زج بالإخوان في السجون وضيَّق عليهم الخناق، ففي تلك الفترة وأذكر أن بعض الإخوان السودانيين كانوا في مصر يتحركون ويعملون مع إخوانهم في مصر جنباً إلى جنب وفي سرية تامة دون أن تعرف عنهم السلطات المصرية شيئاً، وعلى رأس هؤلاء الأخ المجاهد الشيخ مأمون تميم من حوش أبكُر «بضم الكاف» بجنوب الجزيرة فقد كان من الإخوان الحركيين والنشطين حيث عمل مع إخواننا في مصر فترة من الزمن، وعندما ضيَّق عبد الناصر الخناق على الإخوان المسلمين ظهر اسم مأمون تميم ضمن القائمة المحظورة والمطلوب القبض عليهم.. هذا وعندما استدرك الإخوان في مصر خطورة موقف شيخ مأمون تميم وبهدوء وذكاء خارق أوصلوه إلى أسوان وأدخلوه في جوال خيش وهرّبوه عبر القطار في عربة البضاعة باعتباره طرد بضاعة إلى أن وصل إلى السودان في أمان الله وحفظه ورعايته.. «عليه رحمة الله». فالحركة الإسلامية بالسودان بدأت تخطط لاستلام السلطة منذ السبعينيات ووقتها كنا طلابًا بمدرسة كسلا الثانوية الصناعية العليا بالصف الأول وكنت المسؤول العام عن الإخوان بالمدرسة.. وعندما اندلعت ثورة شعبان «1973م» تم انتخابي رئيساً للاتحاد بالمدرسة ومن ثم عضواً بالاتحاد العام لمدارس الشرق: كسلاوالقضارف والبحر الأحمر، حيث كنا ندير العمل التنظيمي من داخل جامعة الخرطوم وأفرد لنا ود المكي ومحمد عثمان محجوب «راجل البركس» عليهما الرحمة عددًا من الغرف بداخليات البركس ندير منها دفة العمل التنظيمي.. فالحركة الإسلامية في تلك الفترة وعلى الرغم من قلة العددية كانت أصلب عوداً وأقوى شكيمة حيث إن البرنامج التربوي والبرنامج الاجتماعي والتواصل والتحابب في الله والتوادد والتراحم والتكافل وحب الخير لكل أخ ولكل الناس من غير تمييز أو فرز.. ومساندة الأقوياء للضعفاء حيث كان الموظفون يقومون باستقطاع جزء من مرتباتهم لإخوانهم الطلاب بالمدارس والجامعة أي يكفلونهم إلى أن يتخرجوا، وهنا تستحضر ذاكرتي إخواننا في مدينة ودمدني: الأستاذ صديق بشاشة، دكتور مصطفى الطيب «الشهيد»، ومحمد عثمان أحمد الفكي الساعاتي، والزبير بشير طه، وبابكر أحمد الحسن السنجك والنعمة علي جابر ومحمد عبد الوهاب وآل الخطيب وعلى رأسهم هاشم الخطيب وسيد الخطيب وآل الكرنكي وعلى رأسهم الفاتح الكرنكي وعبد المحمود الكرنكي وعمنا أحمد عمر وابنه قاسم ومن الحوش بجنوب الجزيرة الشيخ مأمون تميم وعثمان البدوي وفضل موسى جادين وعوض جادين وخالد عمر عبد المجيد ومن الحصاحيصا السماني حسين والترس ومن رفاعة أحمد مختار وعبد الرحمن الفادني ومن الحلاوين محمد علي محمود والماحي ومصطفى الماحي وأبو الراحي، ومن البرياب الطريفي وعبد اللطيف علي من بركات ومن كسلا الأستاذ عبد الله خلف الله ومولانا هاشم عبد الله ومحمد عثمان محجوب والسعيد عثمان محجوب وإدريس عبد القادر وأبو عبيدة محمد دُج ويحيى الضيقي ومولانا عبد المجيد إدريس وإبراهيم مصطفى ومحجوب سر الختم وعبد الحميد محمد توم وأحمد الحاج وآل صديق «آل ياسر» وعلى رأسهم صلاح صديق وآل عوض صالح وعلى رأسهم دكتور أحمد عوض صالح «عليه رحمة الله» والبروفيسور محمد عوض صالح ودكتور الزين عوض صالح ومن حلفا آل أبو الريش وعلى رأسهم محيي الدين أبو الريش ودهب والأمين داود وفتحي خليل ومن القضارف عثمان علي ومن أم بنين بسنجة الهادي أحمد خليفة ومن أم القرى الريح الحاج المكي ومن عطبرة الشيخ عباس الخضر «الحلفايا حالياً» ومعتصم عبد الرحيم ومن كردفان أحمد إبراهيم الطاهر ومن دارفور محمد كبير وأمين بناني ومن الخرطوم دكتور الحبر يوسف نور الدائم ودكتور مندور المهدي ودكتور محيي الدين الجميعابي وصديق المجتبى ودكتور مأمون حميدة ودكتور محمد صديق وعثمان أحمد الحسن والطيب مصطفى وعمر حسن أحمد البشير وإخوان شندي ودنقلا والأبيض وبورتسودان والدامر والفاشر ونيالا والجنينة والدمازين والروصيرص وكوستي وربك وسنار والقائمة تطول وتطول ولا تسعها هذه السطور ودكتور حسن عبد الله الترابي. وبهذا التماسك والتعاضد والترابط الإخواني المحكم تمكنت الحركة الإسلامية أن تزعزع حكم جعفر نميري بداية بثورة شعبان، فعندما اندلعت كانت قيادات الإخوان هم الذين على رأس الاتحادات بالمدارس الثانوية وكذلك جامعة الخرطوم فأحرقوا كل أكشاك المراهنات الرياضية التي عملها نميري لممارسة القمار والميسر فقد تم إحراقها وفي زمن واحد في كل مدن السودان الكبرى. الأمر الذي دعا نميري لأن يعتقل معظم القيادات الإخوانية وزجّهم في السجون وتلقينهم صنوفًا من التعذيب خاصة قيادات الحركة الطالبية وعلى سبيل المثال لا الحصر المجاهد الزبير أحمد الحسن «الوزير السابق للطاقة والتعدين والمالية» والشهيد عبيد ختم فعندما تم اعتقالهما في سجن دبك كانا يعذبان من قبل رجالات أمن نميري وذلك بربطهما بالحبال على جذوع الأشجار فالرأس إلى تحت والأرجل إلى أعلى ومن ثم يُجلدون ويُضربون بالسياط على ظهورهم.. ومن الطرائف أن الأخ الزبير أحمد الحسن كان طالباً بكلية الاقتصاد جامعة الخرطوم فخرج من الجامعة ومعه كاميرا تصوير فقام بتصوير العساكر في الطابور وعلى ضوء ذلك تم اعتقاله وبدأوا في استجوابه من قبل رجال الأمن فقال له أحدهم أنت أخو مسلم؟ فرد عليه الزبير قائلاً: أنا كنت في البلد وبخرت في اللوبيا ما شايف إيديني مشققة.. فرد عليه رجل الأمن طيب نجيب ليك فطور فرد عليه الزبير: أنا صائم وساعتها قفز المتحري ونط لي فوق وبصوت عالٍ قال: أمك ما قلت ما أخو مسلم.. «نواصل»..