من الشروط المهمة التي تطالب الحكومة السودانية بتنفيذها للوصول إلى اتفاق نهائي مع حكومة جوبا هو أن تقوم الأخيرة بطرد وإبعاد حركات تمرد دارفور من أراضي دولة جنوب السودان. وهذا يعني بالطبع أن توجه حكومة جوبا هذه الحركات المتمردة بأن تتجه إلى يوغندا في ناحية بعيدة من معسكرات جيش الرّب، ويمكن الاستفادة منها لصالح حكومة كمبالا في محاربة وإضعاف جيش الرب، وإن كان هذا سيجعلها تحمل صفة مرتزقة أو تتعرض هي لاعتداءات من جيش الرب بسبب الغنائم. هنا ستجد حركات دارفور المتمردة نفسها في وضع حرج وأمام تحدٍ سياسي قاسٍ، وستحاول أن تنسلخ من هذا الواقع المرير بإطلاق مطالبة مثلاً بتقرير المصير لإقليم دارفور، وهي على علم بأن مثل هذه المطالبة لا يمكن أن تتحقق لها في أرض الواقع لأسباب موضوعية واضحة، لكن من الممكن أن تغازل بهذه المطالبة الدوائر الغربية والصهيونية والإقليمية الإفريقية حتى تستدر منها الدعم والتمويل.. وحتى ولو أن هذه الدوائر الأجنبية مدركة لاستحالة تحقيق مطالبة حركات تمرد دارفور بتقرير المصير وهي في حالة يأس، فيمكن أن تحسب مقابل الدعم جني ثمار سياسية مهمة في نظرها مثل استمرار الأزمة الأمنية في السودان ليستمر معها برنامج العقوبات، فلا يمكن أن يحسم السودان كل قضاياه وتكون العقوبات ضده مستمرة، هذا أمر غير مقبول.. يكون مقبولاً فقط في حالة أن هناك تمرداً في دارفور والجنوب.. والمقصود «الجنوب الجديد» بعد انفصال الجنوب القديم «دولة جنوب السودان» لكن حتى إذا التزمت حكومة جوبا بما تطلبه الخرطوم وقامت فعلاً بطرد حركات تمرد دارفور، فهل ستسحب الفرقتين التاسعة والعاشرة التابعة للجيش الشعبي «جيش دولة الجنوب» والمقيمة دون وجه حق في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق السودانيتين؟! إن إقحام الحركة الشعبية لمناطق سودانية في خريطة دولة الجنوب تجعلها ترفض سحب الفرقتين التاسعة والعاشرة باعتبارهما في أرض جنوبية أو «جنوبسودانية» وبالطبع هذي «مغالطات» يمكن أن تخدم مواقفها وهي تتفاءل جداً بانحياز المجتمع الدولي لها.. على أية حال فإن حركات تمرد دارفور بعد تطورات كثيرة تجد نفسها أمام خيارين، إما أن تستجيب إلى السلام وهي تحمل في أيديها برنامجًا سياسيًا ذكيًا لحسم قضايا ولايات دارفور وأولها مشكلات النهب المسلح الذي أصبح بالآليات الحربية الثقيلة وسيارات الدفع الرباعي الحاملة للمدافع، ففي هذه الحالة يمكن أن تكسب ثقة جماهير دارفور والأقاليم الأخرى، وهو أفضل من كسبها لدعم الدوائر الأجنبية، فحكومة الخرطوم رغم التقشف أيضاً سخية، وها هي السلطة الانتقالية لدارفور تبقى مستثناة من برنامج التقليص لصالح التقشف، وها هي إيرادات «الكهرباء» بعد الزيادات المؤلمة جداً يمكن أن تكون دعامة لاستكمال السلام إذا لم تستحدث حركة متمردة بعد ذلك. كل هذا إذا كان الهدف هو إقليم دارفور لكن إذا كانت قضايا هذا الإقليم مطية لتحقيق أهداف غير مُعلنة فما أطول الأزمة الأمنية هناك! لعنة الربا في الكهرباء الغالي الوحيد الذي لن يكون «متروكًا» هو سعر الكهرباء، ربما لذلك جاءت زيادته بهذا الرقم الفلكي دون مبرر من ناحية تكلفة إنتاج الكهرباء.. نعم .. لا بد من زيادة سعرها أسوة بالأسعار الأخرى، فلا يمكن أن يظل سعرها ثابتًا مثل سعر الصحف حتى الآن، لكن أن تكون الزيادة بهذه النسبة العالية جداً، فهذا لا تفسير له غير أنه نوع من الانتهازية. وإذا كانت الدولة تريد سداد استحقاقات بعض العاملين في المؤسسات الحكومية مثل جامعة الخرطوم مثلاً، فكان يمكن أن تقول بزيادة سعر الكهرباء بهذه النسبة لمدة شهرين أو ثلاثة.. ونحن نستجيب من باب التعاون والتضامن مع العاملين في المؤسسات التعليمية والصحية المهمة. بالطبع للحكومة تبريرات لم تكشف عنها بعد وهي تزيد سعر الكهرباء.. لكن تبقى هذه الزيادة وإن كانت تبريرها أنها جاءت بانتهازية فلن يستغني الناس عن الكهرباء التي اشتروا لها عدادات الدفع المقدم وملكوها وفي نفس الوقت تؤجرها لهم الحكومة، أمر الكهرباء عجيب في السودان وكأنها لعنة الربا في سد مروي .