في آسيا انتشر السِّحر في إيران والهند والصّين وكوريا. في أوربا انتشر السحر في روسيا والدنمارك وبريطانيا وأمريكا، وغيرها. في أفريقيا كان كهنة مصر الفرعونية بارعين في السّحر. في مصر الفاطمية انتشرت الشعوذة والسحر. و(تجلّى) الدراويش والسًّحَرة في اصطياد الثعابين والعقارب في المنازل. في نيجيريا تنتشر ثقافة السِّحر انتشاراً واسعاً، حتى سرى اعتقاد خاص بقدرة السَّحَرة النيجيريين في التأثير على كل فعاليات الحياة، بما في ذلك نتائج كرة القدم. في المغرب انتشرت ثقافة السِّحر ودعاوي السَّحَرة، حتى ساد الإقتناع خارج المغرب بأن السَّحَرة المغاربة هم الأقدر على تسخير الجن واستخراج الكنوز. ترجع ثقافة السِّحر المغربية إلى طقوس سَحَرة البربر قبل الإسلام وكهنة جبال الأوراس. في شبه الجزيرة العربية انتشرت قبل الإسلام اعتقادات السِّحر انتشاراً كبيراً، فكان (وادي عبقر)، واعتقاد أن النبوَّة لون من السِّحر. أما عن السودان، فيعيش السودان اليوم العصر الذهبي للسَّحَرة و(الأناطين). إذ يقع السودان وسط الإطار الأفريقي والعربي المتشبِّع بثقافة السِّحر، التي وضعت بصماتها القوية على ثقافته. حيث تسرَّب السّحر في السودان إلى السياسة والرياضة والطب والتجارة والعلاقات الإجتماعية. هناك مجلَّدات يمكن أن تكتب عن (أبَّكَر قروش) الذي يحيل الورق العادي إلى ورق عملة نقدية، و(اسماعيل تلفزيون) الذي كان يستشيره رئيس سوداني سابق في استقصاء محاولات الإنقلابات العسكرية ضده، ورئيس الوزراء السوداني الذي يخاف من (العين) الساحرة الشريرة، ورئيس السودان السابق الذي استقدم ساحراً كبيراً من دولة من غرب أفريقيا لتأمين انتصاره في الإنتخابات الرئاسية، ورئيس السودان السابق الذي استقدم إلى الخرطوم ساحراً (كبير السَّحَرة) من دولة أفريقية وسأله إن كان سيُستَخرج النفط في عهده، ولما أجابه الساحر بأن النفط سيُستَخرج في عهد رئيس يأتي بعده قال الرئيس لمن جاء بالسَّاحر (تعال سوق العواليق بتاعك ده)، وحارس المرمي الذي كانت الكرة تدخل مرماه بسهولة فقال إنه لم يمسك بالكرة لأنه لم يكن يرى الكرة بل كان يرى (كديس)، أى قِطّ. في كرة القدم السودانية كاد أن يصبح لكلّ فريق (أنطون) أى (فكي) يكتِّف (الكورة)، (يبرِّكه) لهزيمة الفريق الخصم. في ثقافة السِّحر السودانية المنتشرة، تحدث آخرون عن (تحضير الأرواح)، وكيف قاموا بتحضير روح فلان وفلان من مشاهير الزعماء والنجوم، ومَن تزوَّج عليها زوجها تقول إنه (مكتوب) وإن فلانة قد (كتبته) وأعدَّت له (عمل). حيث أصبح (أصحاب العمل) من السَّحَرة أعلى صيتاً وخطراً من (أصحاب العمل) في الغرف التجارية!. ويقولون في ثقافة السِّحر فلان (سحَّار) و(عينه حارَّة)، ومَن تأخر زواجها وهي جميلة يقولون (سحروها)، وقد تذهب إلى (ودّاعيَّة) أو (رمَّالي) أو (فكي) يقرأ لها حظها ومستقبلها، والطالب الذي فشل في الإمتحانات (سحروه)، والفنان عثمان حسين كان يلحِّن له (شيطان)، والبيت المهدَّم بيت (مسكون) أى تسكنه الشياطين أو يسكنه (بسم الله) في إشارة إلى الشيطان الذي يُستعاذ منه باسم الله، ومَن أصاب (حنكه) أو فكَّه اعوجاج قالوا (كفته) شيطان أو كفته (بسم اللَّه)، وهناك مَن رأي جماعة من الناس يأكلون وهم يحيطون بصحن الطعام وأياديهم بداخله فقال لهم (أنتم تؤدون القسم) فتركوا الأكل خوفاً من أن (يسحرهم)، والذي سرقوا منزله والمصوغات الذهبية لزوجته قبل أن يذهب إلى الشرطة يسارع إلى (فكي) لكي يسترد المسروقات. هؤلاء السحرة الفاشلون الذين يملأون السودان لم يكن لهم دور في استخراج النفط أو الذهب أو ثورة الإتصالات، أو دور يدعم الفريق القومي ليفوز ببطولة أفريقيا أو بطولة العالم، أو دور في حلّ معضلات الفشل المزمن في مشروع الجزيرة وسودانير والخطوط البحرية والسكة حديد. ونظراً لسمعة الفكي السوداني (العابرة للقارات) استعان رئيس عربي ب(فكي) سوداني لعلاج أمِّه. وقد أثرى عدد من (الفوكوة) السودانيين (جمع فكي) من أموال الأشقاء العرب. مازالت الثقافة السودانية تسبح في محيطات سحر القرون الوسطى الأفريقية. مازالت تسبح في بحار الأساطير الأفريقية القديمة. ما يزال السحر ينتشر انتشاراً مخيفاً في العقل السوداني. ذلك يعني أن (عصر التنوير) السوداني لم يبدأ بعد، وإن العقل السوداني معطَّل، وأن أحلام (عصر النهضة) السودانية، قد تمّ استبدالها ب(كوابيس) السِّحر والسَّحَرة. لن يتقدَّم السودان إلاّ بإزاحة ثقافة السِّحر من المشهد.